مؤامرة لاغتيال النبى صلى الله عليه وسلم
كان من أثر هزيمة المشركين فى وقعة بدر أن استشاطوا غضباً ، وجعلت مكة تغلى كالمرجل ضد النبى صلى الله عليه وسلم حتى تآمر بطلان من أبطالها أن يقضوا على مبدأ هذا الخلاف والشقاق ومثار هذا الذل والهوان فى زعمهم وهو النبى .
جلس عمير بن وهب الجمحى مع صفوان بن أمية فى الحجر بعد وقعة بدر بيسير ـ وكان عمير من شياطين قريش ممن كان يؤذى النبى وأصحابه وهم بمكة ـ وكان ابنه وهب بن عمير فى أسارى بدر ، فذ كر أصحاب القليب ومصابهم ، فقال صفوان : والله إن فى العيش بعدهم خير .
قال له عمير : صدقت والله ، أما والله لولا دين على ليس له عندى قضاء ، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لى قِبلهم علة ، ابنى أسير فى أيديهم .
فأغتنمها صفوان وقال : على دينك ، أنا اقضيه عنك ، وعيالك مع عيالى ، أواسيهم ما بقوا ، لا يسعنى شىء ويعجز عنهم .
فقال له عمير : فأكتم عنى شأنى وشأنك . قال : أفعل .
ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ، ثم أنطلق حتى قدم المدينة ، فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته رآه عمر بن الخطاب ـ وهو فى نفر من المسلمين يتحدثون ما أكرمهم الله به يوم بدر ـ فقال عمر : هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا لشر ، ثم دخل على النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبى الله هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه ، قال : ( فأدخله على ) فأقبل إلى عمير فلببه بحمالة سيفه ، وقال لرجل من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسوا عنده واحذروا عليه من ذلك الخبيث ، فإنه غير مأمون ، ثم دخل به ، فلما رآه رسول الله ـ وعمر آخذ بحمالة سيفه فى عنقه ـ قال : ( أرسله يا عمر ، أدن يا عمير ) فدنا وقال : أنعموا صباحا ، فقال النبى : ( قد أكرمنا بتحية خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام تحية أهل الجنة )
ثم قال : ( ما جاء بك يا عمير ؟ ) قال : جئت لهذا الأسير الذى فى أيديكم ، فأحسنوا فيه .
قال : ( فما بال السيف فى عنقك ؟ ) قال قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شىء ؟
قال : ( اصدقنى ، ما الذى جئت له ؟ ) قال : ما جئت إلا لذلك .
قال : ( بل قعدت أنت وصفوان بن أمية فى الحجر ، فذكرتما أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت لولا دين على وعيال عندى لخرجت حتى أقتل محمداً ، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى ، والله حائل بينك وبين ذلك ) .
قال عمير أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحى ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فو الله إنى لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذى هدانى للإسلام ، وساقنى هذا المساق ، ثم شهد شهادة الحق ، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : ( فقهوا أخاكم فى دينه ، وأقرئوه القرآن ، وأطلقوا له أسيره ) .
وأما صفوان فكان يقول : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن فى أيام تنسيكم وقعة بدر ، وكان يسأل الركبان عن عمير ، حتى أخبره راكب عن إسلامه فحلف صفوان ألا يكلمه أبدا ، ولا ينفع بنفع أبدا .
ورجع عمير إلى مكة وأقام بها يدعوا إلى الإسلام ، فأسلم على يديه ناس كثير .