تربية الطفل
عن طريق الدين
ـــــــــــــــــــــــــــ
الطفل هو الهدف الذى يتجه إليه العلماء والمربون لإخراج جيل القيادة فى الأمة . لذلك تعنى به الدول المتحضرة بحشد الخبراء والتخصصين فى مجالات التربية بوضع المناهج الملائمة والكتب الصالحة وبثقافة تكون زادا يبنى عقله وفكره وروحه .
والإسلام العظيم سبق كل هؤلاء . ففى تنشئة الله عز وجل لنبيه يوسف قال ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ) ولنبيه عيسى ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ) وإذا كانت تربية الطفل مسئوليتنا نحن الكبار فيجب أن نسأل أنفسنا : هل يكتسب الطفل القيم دون الحاجة للعقيدة ؟ ثم الأهم من ذلك : هل عنده الشعور الذى يميز به الخطأ من الصواب ليؤمن بما نؤمن به ؟ إن الإجابة بالقطع : لا .
ونظريات علم النفس التى كانت تحكم بضرر العقوبة البدنية من الوجهة النفسية ثبت فشلها لأن هذه العقوبة ـ كما ثبت أخيراً ـ أقل ضرراً من النقاش الطويل ومحاولة الإقناع المتواصلة . كما أن الأوامر الجبرية والسلطة التى لا ترد عنصر لا غنى عنه فى التربية ، ولا يخفى أن المبالغة فى أهمية التعبير عن الذات لدى الطفل تؤدى إلى الفوضى الخلقية .
ويأتى على رأس قائمة العادات التى يجب أن تنمى فى الطفل . دوام التردد على أماكن العبادة مع الوالدين ، فهى أهم عوامل فى إنماء الشخصية المرغوبة . كذلك تشجيع الطفل على عمل ما لا يحب يجعله أقدر على استكمال قدراته ، أما الطفل الذى يحتج بعجزه عن فعل شئ لا يستطيعه أو لا يجيده سرعان ما يفقده القدرة على المحاولة ويصبح أكثر انطواءً وعجزاً ويتولد لديه شعور بالنقص على عكس الطفل الذى يعتاد الإقدام والمحاولة .
والدين هو الذى يضع بين أيدى الآباء السلطة الكبرى للتوجيه .. فالطفل الذى اعتنق فكرة وجود الله يكتسب الحافز نحو العادات التى ترضى الله وتتبنى أفعاله ـ فيما بعد ـ على ما يجب أو مالا يجب ـ أى على الصواب أو الخطأ ـ وليس على ما يحب أو مالا يحب . وفى ذلك نقول :
ـ قد يرى الطفل عدم إطاعة أمه . ولكنه يدرك أن الله لا يرضى عن ذلك .
ـ قد يفكر ألا يعيد لأمه ما تبقى من نقود بعد أن أشترى لها حاجياتها وسيشعر بوخز الضمير لأنه سلوك ليس بصواب .
ـ قد لا يحب التنازل عن أنانيته مع زملائه ولكنه يرغم نفسه على أن يفعل ذلك .. لآن الأنانية خطأ .
وكثير من الآباء يشكون من عصبية أبنائهم ، ولكن التعاليم الدينية التى تزيد من قدرة المرء على التغلب على النفس وقهرها تبلغ ذروتها فى سنى الطفولة المبكرة التى يسهل الخلق والتشكيل والتبديل .
على أنه ليس هناك ما يمنع أن يتضمن أسلوب تربية الطفل بعض الكبت لرغباته وليس فى ذلك أى خطر عليه . وإذا احتج البعض بأن فى هذا الكبت الجزئى إعاقة للطفل عن التعبير عن ذاته ، فإن علماء النفس ذكروا أن البديل فى هذه الحالات هو التعبير عن الذات فى أى نشاط رياضى أو فنى . فالطفل الذى يوجه إلى التمرين على آلة موسيقية مثلا يكتسب التفوق فى التعبير الموسيقى . أما الذى يسمح له كيفما شاء ووقتما أراد فإنه يضيع الوقت الذى يمكنه فيه النبوغ فى أى من المهارات .
وعلى العموم فإن الوقت الأمثل لتعليم الطفل كيف يخضع دوافعه لقيم عليا هى السن الذى يستطيع أن يتقبل كل ما يقال له دون أن يفهمه . كتعليم الدين وإتباع الحق وتوقير الكبير وغير ذلك . ومنذ السنة الأولى . أما الآباء الذين يرجئون ذلك حتى يفهم الطفل ما يقال له فإنهم يعانون أشد المعاناة من مناقشات صغارهم ومعارضتهم واحتجاجاتهم .. ذلك لآن الوقت يكون قد فات حيث بلغ الأطفال السن التى يفهمون فيها ما حولهم .
هذا ما أشار به علماء النفس المحدثون : إن تربية الطفل المسلم فى أساسها الأول لا يصح أن تعتمد إلا على الدين فهو الزاد العظيم والذخر الكبير وهو سعادة الدنيا والآخرة .
إننا إذا أردنا أن نعلم حالة الأمة ومدى رقيها فلننظر إلى الطفولة وما فيها . فحيث نراها سعيدة ومهذبة وموجهة توجيها صالحاً نرى من ذلك نهضة للأمة ومجداً للوطن وحسن تربية وتهذيب للطفولة والشباب .
ليلى حسنى