أسماء بنت أبى بكر
ذات النطاقين
الزيارة المفاجئة :
ترك الزبير زوجته أسماء ، ليذهب بتجارة إلى الشام ، وانتقلت أسماء إلى بيت أبيها ، لتكون مع أخيها عبد الله وأختها الصغيرة عائشة وأم رمان زوجة أبيها ، وفى يوم كانت أسماء وأختها عائشة تجلسان قريبا من سرير أبى بكر ، وإذا الباب يدق ، فأسرعت أسماء لتفتح ، فإذا به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كان الوقت الظهيرة ، ولم يكن الرسول متعودا أن يأتى فى مثل هذا الوقت وفكر أهل بيت أبى بكر فى أن أمرا عظيما قد وقع .
سلم رسول الله ، واستأذن فى الدخول ، وقابله أبا بكر الذى أسرع فى القيام من مكانه ليجلس الرسول ، ثم قال صلى الله عليه وسلم لأبى بكر .
- يا أبا بكر ، إنى قد أُذِن لى فى الخروج والهجرة .
فقال أبى بكرا : إذاً الصحبة يا رسول الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الصحبة يا أبا بكر .
مؤامرة فاشلة :
أقبل الليل ، وكان المشركون قد علموا من قبل بما عزم عليه محمد صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى يثرب ، فاجمعوا على منعه ، وقتله ، وتوزيع ديته على القبائل ، ثم أحاطوا بداره لتنفيذ ما اتفقوا عليه .
عَلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اتفق عليه كفار مكة ، فطلب من ( على ابن أبى طالب ) أن ينام مكانه ، وأن يتغطى ببرده الأخضر الحضرمى ، كان المجتمعون ينظرون من ثقب بالباب ، فيرون النائم ، فيطمئنون إلى أن محمداً ما زال نائما مكانه ، ولكن النبى صلى الله عليه وسلم خرج من بين صفوفهم وهم لا يشعرون .
ثم وصل الرسول إلى بيت أبى بكر فى الثلث الأخير من الليل، وكانت أسماء قد أعدت لهما كل شئ .
خرج رسول الله من خوخة فى ظهر بيت أبى بكر متجهين جنوبا إلى طريق اليمن حيث وصلا إلى غار ثور .
وأطل نور الصباح والمشركين ينتظرون أن يقوم النائم ، وما أعظم دهشتهم حينما رأوا أن النائم هو ( على بن أبى طالب )
عزيمة قوية وحسن تصرف :
ثار المشركون ، وراحوا يتخبطون فى الطرقات ، واتجه أبو جهل أشد أعداء المسلمين إلى دار أبى بكر ومعه جماعته وطرق الباب ففتحت أسماء الباب وسألها عن أبيها وإلى أين سار فقالت لا أعرف .
لم يملك أبو جهل نفسه من شدة الغيظ ، فهوى على وجه أسماء بيده القوية ولطمها على وجهها لطمة وصلت إلى أذنها فشقتها وسقط القرط منها وتخضب وجهها بالدماء ، وقفت ثابتة لم تتزحزح رغم ما تعانيه ، أما ابو جهل انسحب فى خزى وعار .
ولم تكد تستريح مما لاقته من عدو الله أبى جهل حتى طرق الباب طارق آخر ، وما أن فتحت ، دخل عليها جدها أبى قحافة وهو مشغول بما وصل إلى أذنيه مما تناقلته الأخبار عن اختفاء رسول الله ونجاته من المشركين وقال فى لهفة :
- أين أبوك يا أسماء ؟
فقالت : أبى هاجر إلى ربه
- الناس تقول إنه أعطى كل ماله لمحمد
فأجابته فى ثبات
- أبدا يا جداه لقد ترك لنا خيرا كثير
ولما أصر على أن يرى المال ، جمعت أسماء وساعدتها أختها عائشة حصوات ، ولفتها فى قماش ، ووضعتها فى الكوة ثم سحبت جدها وكان قد فقد بصره ، فلمس بيده ما وضع فى الكوة ، وهى تقول : له أليس كثيرا يا جداه ، وجاوبها : الآن قد استراحت نفسى يا أسماء .
ذات النطاقين :
عرفت أسماء المكان الذى انتهى إليه الصاحبان ، فكانت تأتى إليه ليلا بالطعام والشراب ، يصحبها أخوها عبد الله ، وفد كلفه أبوه بتتبع المشركين لمعرفة أخبارهم ، وما يقومون به من عمل تجاه البحث عن رسول لله .
بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بالغار ثلاثة أيام بلياليها وفى الليلة الأخيرة صنعت أسماء طعام به شاة مطبوخة ومعها سقاء الماء ، وذهبت بهما مع أخيها إلى الغار ،حتى إذا دنا وقت الرحيل وقفت أسماء تساعد فى ربط الأشياء ، وأرادت أن تعلق الطعام والسقاء ، ولم تجد ما تربط به ، ففكت نطاقها وشقته نصفين ، ربطت بأحدهما الطعام وبالآخر السقاة ، رآها رسول الله وهى تفعل ذلك فقال لها : ( أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين فى الجنة ) ومنذ ذلك الحين وسميت بذات النطاقين .
عودة الغائب :
علم الزبير وهو بالشام أن رسول الله وصاحبه هاجرا إلى يثرب ، وأن آل أبى بكر ومعهم أسماء سيلحقون بهما قريبا ، أسرع الزبير متجها إلى يثرب ليشارك فى ثواب الهجرة إلى الله ، وليستقبل زوجته بعد غياب .
وصل فوجد المسلمين مجتمعين فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أن رأوه حتى هللوا وكبروا ، سأل الزبير عن الأهل فعلم أنهم لم يصلوا بعد إلى المدينة ، وبينما هو غارق فى تفكيره إذا أقبل البشير من مكة يسبق الآل ، ليبشر بسلامة الوصول ، فقد وصلوا إلى قباء ، ونهض الزبير ليستفسر عن سر التوقف فى قباء فبادره البشير قائلا : أبشر يا ابن العوام ، فقد رزقك الله مولودا كريما .
سجد المسلمون شكرا لله ، فهذا أول مولود يولد للمهاجرين فى المدينة ، وانتشر الخبر ، وقضى على ما أشيع من أن اليهود سحروا المسلمين ولن يولد للمهاجرين مولود .
حمل أبو بكر أول حفيد له إلى رسول الله ووضعه فى حجره ، وابتسم له وقال : إنه أشبه الناس بأبى بكر ، ثم طلب تمرة فمضغها بفمه الشريف ، وحنكه بها فكان أول ريق يصل إلى جوف المولود هو ريق النبى صلى الله عليه وسلم ، وسماه عبد الله وهو اسم جده أبى بكر .
كفاح الزوجة المؤمنة :
فى المدينة بدأت أسماء حياة جديدة ، فالأنصار يتعاونون مع المهاجرين ، وأسماء مستمرة مع زوجها تقاسمه خشونة الحياة ، وهو المعدم الذى ليس له أرض يتولى زراعتها ، ولا مال يتجر به ، وليس عنده مملوك قد يؤجره وينتفع بأجرته ، ولا شئ إلا فرسه الذى يحمل عليه الماء من الآبار.
كانت أسماء تعلف الفرس ، فتدق له النوى وتؤكله فتكفى الزبير مؤنته وتسقيه الماء ، وتخرز غربه وتعجن الدقيق ، ولم تكن تحسن العجن والخبز فكان لها جارات من الأنصار كن يساعدنها ، ثم إن النبى رق لحال الزبير ، فأقطعه أرضا على بعد ثلثى فرسخ من المدينة ، وكانت أسماء تحمل النوى على رأسها من تلك الأرض ، وتذهب به إلى البيت لتدقه ، لكنها صبرت وجعلت رسالتها إرضاء زوجها ليرضى عنها الله سبحانه وتعالى .
أراد والدها أبو بكر أن يساعدها ويعينها على ما تقاسيه من غير أن تشكو إليه فأرسل لها خادما يحمل عنها عناء العمل ، ففرحت أسماء ثم قالت تذكر فضل أبيها : كفانى سياسة الفرس ، فكأنما أعتقنى !
الشيم الكرام