أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب
الجزء الرابع
كيف حكم عمر للأعرابى :
ذات يوم جلس عمر والصحابة من حوله ، للنظر فى أمور المسلمين ، فجاء أعرابى ، وسأل : أين عمر أمير المؤمنين ؟
وذهب إلى عمر ، ورمى له لفيفة من الشعر بطريقة تدل على سوء الأدب ، وقلة الذوق . فتضايق الحاضرون ، وأرادوا أن يهذبوا الأعرابى ويعطوه درسا فى أدب المعاملة
فأمرهم عمر بتركه وقال لهم : اتركوه فقد يكون مظلوما .
فقال الأعرابى : هل أرسلت إلينا الحكام ليعاملونا كما يعامل العبيد ؟ فأجاب عمر : لا لقد أرسلتهم إليكم لينصحوا لكم ، ويهدوكم طريق الخير ، ويعلموكم أحكام الدين ، ويعاملوكم كما يعامل الأحرار لا العبيد .
قال الأعرابى : إنى أشكو إليك أبا موسى الأشعرى فقد ظلمنى ، ولم يعطنى كل حقى ، فرددت ما أعطانى فغضب كل الغضب ، وجلدنى بالسوط عشرين جلدة وقص شعرى عقابا لى ، وهو هذا الشعر الذى ألقيته إليك . ولولا الخوف من الله لانتقمت لنفسى وأخدت حقى بيدى .
فتألم عمر كل الألم وكتب إلى أبى موسى الأشعرى ، وأمر أن يجلس أمام جماعة من المسلمين ليجلده الأعرابى عشرين جلدة بالسوط ، ويحلق له شعره كما فعل معه ظلما .
قرأ أبو موسى رسالة عمر ، وقال للأعرابى : تفضل ونفذ ما أمر به أمير المؤمنين ، وأعطاه السوط ليجلده به ، وقدم إليه رأسه ليحلق له شعره .
فتأثر الأعرابى وعفا عن أبى موسى ، وصفح عنه ، وقال لن يظلم أحد وعمر أمير المؤمنين .
عمر يحاسب نفسه :
ذات يوم كان عمر سائرا فى شارع من شوارع المدينة ، فقابله أحد المسلمين ، وطلب منه أن يقضى له مسألة من المسائل ، فضربه عمر بعصاه ، وقال : لم يبقى على عمر إلا أن يشتغل بأمرك .
فلما وصل إلى بيته جلس مهموما حزينا كل الحزن على ما حدث منه . وصار يضرب نفسه ، ليأخذ بحق هذا الرجل ، وقال موبخا نفسه : يا عمر كنت فقيرا فأغناك الله ، وكنت ضعيفا فقواك الله ، وكنت ضالا فهداك الله وكنت ، وكنت ...
إنصاف عمر :
قيل لما فتحت البلاد وجاءت الأموال- حضر الحسن بن على فقال : أعطنى يا أمير المؤمنين حقى مما أعطى الله المسلمين .
فأمر له عمر بألف درهم فأخذها الحسن وانصرف . فجاء الحسين بن على وقال : اعطنى يا أمير المؤمنين حقى مما أعطى الله المسلمين . فأعطاه ألف درهم . ثم حضر له ابنه عبد الله بن عمر- فقال كما قال الحسن والحسين ، فأمر له بخمسمائة درهم .
فقال ابنه : يا أمير المؤمنين ، أنا رجل شديد ، أضرب بالسيف ، والحسن والحسين طفلان يلعبان فى طرق المدينة ، تعطى كلا منهما ألف درهم وتعطينى خمسمائة ؟ .
قال عمر : نعم ، اذهب ، فأتنى بأب كأبيهما وأم كأمهما وجد كجدهما ، وجدة كجدتهما ، وعم كعمهما وخال كخالهما ، فإنك لا تأتينى به .
إحساس عمر نحو الآمة الإسلامية :
ذات ليلة أخذ عمر خادمه لمعرفة أحوال المدينة قبل الفجر بقليل ، وحينما كانا سائرين سمع أمرأة تتكلم مع ابنتها وتقول لها : لقد قرب الصباح فضعى على اللبن ماء ، وجهزيه لنبيعه .
قالت البنت : لقد نهانا أمير المؤمنين عن غش اللبن وخلطه بالماء . قالت الأم : إن عمر ليس معنا الآن ولن يرانا أحد ونحن نخلطه بالماء .
قالت البنت : أن الله يرانا ، ويعلم كل ما نفعل . وإن ضميرى سيوربخنى إذا اغضبت الله أو عصيت أمير المؤمنين . ويجب أن نرضى الله فى السر والعلانية .
سمع عمر هذه المناقشة ، وأعجب بالفتاة كل الإعجاب ، وقال لخادمه : هل سمعت ما قالته هذه البنت لأمها ؟
وعرف عمر البنت ، وقال للخادم : إن هذه الفتاه أمينة تخاف الله ، وتشعر بالواجب وأعتقد أنها تصلح لأن تكون خير زوجة ، وسأختارها لابنى عاصم ، وسأكلمه ليخطبها ، وتزوجها عاصم .
تواضعه وتفكيره فى الأطفال :
ذات مرة كان سنان بن سلمة- وهو صبى- يلتقط البلح من تحت النخل ، مع بعض الصبيان . فجاء عمر فتفرق الصبيان . وثبت الصبى سنان مكانه ، ولم يجر . فلما قرب عمر منه ذهب إليه سنان ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، إنما هذا البلح من الذى ألقته الريح .
فقال عمر أرنى كى أنظر ، فإنى أعرفه ، ولا يخفى على . فرأى عمر البلح الذى فى حجر الصبى ، ثم قال له : صدقت يا بنى ، خذه واذهب . غير أن الصبى لم يقنع بهذا ، بل أحب أن يحرسه أمير المؤمنين عمر إلى بيته .
فقال له : يا أمير تالمؤمنين ، أترى هؤلاء الغلمان الذين هربوا ؟ إنى أخاف إذا تركتنى أن يغيروا على فيأخذوا ما معى من البلح . فمشى معه حتى أدخله بيته .
زهد عمر :
حينما تولى عمر أمور المسلمين قدر لنفقته ونفقة أسرته ما يساوى جنيهين أثنين فى الشهر . وباقتصاد زوجته وحسن تدبيرها استطاعت أن توفر جزاء من هذا الراتب القليل . واشترت بما وفرته هدية من العطر الجميل الرائحة ، وأرسلت الهدية إلى ملكة الروم ، فأهدت إليها الملكة مجموعة ثمينة نادرة من الجواهر الغالية . فلما رأى عمر الجواهر سأل زوجه عنها فقصت عليه قصتها ، فأخذ منها الجواهر ، وحرمها التزين بها ، وأضافها إلى الأموال الخاصة بالمسلمين ، وأعطاها النقود التى اشترت بها الهدية من العطر . ولم يكفه ما فعل ، بل نقص راتبه الشهرى- وهو جنيهان- بقدر ما وفرته زوجه فى الشهر ، وقال لها : إن هذا زائد على حاجتنا ، فلا حق لنا فيه
رحمك الله يا عمر فقد كنت مثلا نادرا فى الزهد والقناعة ، والرضا بالقليل .
عطف عمر وشفقته :
فى يوم دخل عليه أعرابى ملابسه متقطعة ، وقد ظهر جسمه منها ، والجو شديد البرودة ، وهو يتألم من شدة البرد ، فتأثر عمر كل التأثر حينما رآه ، وسأله : ماذا تريد ؟
فأجاب الأعرابى : إن زوجتى وبناتى الصغيرات فى حاجة شديدة إلى ملابس تحفظهن من البرد . وأستحلفك بالله أن تأمر لهن لما يستر أجسامهن .
فبكى عمر لحاله وحال زوجته وبناته وقال لخادمه أعطه قميصى هذا ليحفظه من البرد . وليس عندى غيرهذا القميص . ثم قال لأعرابى : تعال غدا لأعطيك من بيت المال ما تحتاج إليه من الثياب لزوجتك وبناتك .
معاملة عمر لأولاده :
يحكى أن رجلا جعله عمر حاكما فى بلد من البلاد فدخل ذلك الرجل ذات يوم على عمر وهو فى بيته ، فوجده نائما على ظهره ، وأولاده يلعبون حوله ، فلم يعجبه ذلك .
فقال له عمر : وكيف حالك مع أهلك وأولادك ؟
فأجاب : إذا دخلت سكت من كان يتكلم منهم .
فقال له عمر : اترك عملنا ، فإنك لا تعطف على أهلك وولدك ، ولا تحسن معاملتهم . فكيف تعامل أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
قتل عمر :
ما كان أحد يظن أن عمر العادل العظيم يموت قتيلا ولقد قيل إنه دعا ربه فى أواخر حياته حين حج فقال : اللهم كبرت سنى ، وضعفت قوتى ، وانتشرت رعيتى ، فأقبضنى إليك ، اللهم ارزقنى الشهادة فى سبيلك ، واجعل موتى فى بلد رسولك .
فحقق الله دعاءه ، وأماته شهيدا بمدينة الرسول ، بعد أن أدى رسالته خير أداء للإسلام والمسلمين . قتله أبو لؤلؤة الكافر الفارسى المجوسى ، وهو ينادى لصلاة الفجر ودفن بجوار صاحبيه : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق رضى الله عنه .
رحمك الله يا عمر بقدر ما أحسنت إلى الفقراء والمساكين .
رحمك الله يا عمر بقدر ما نشرت العدل بين المسلمين .
رحمك الله يا عمر بقدر إنصافك المظلومين . كنت لا تثق إلا بالله ، ولا تفكر إلا فى إرضاء الله .
نقل بواسطة
الشيم الكرام