إرشاد العباد
من مجلة اللواء الإسلامي
العدد ( 317 ) السنة السابعة
ومن عقوبات المعصية أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه فأن كل أحد محتاج معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده وأعلم الناس أعرفهم بذلك على التفاصيل وأقواهم وأكيسهم .
من قوى على نفسه وإرادته فاستعملها وكفها عما يضره وفى ذلك تتفاوت معارف الناس وهممهم ومنازلهم فأعرفهم من كان عارفا بأسباب السعادة والشقاء .
وأرشدهم من أثر هذا على هذا كما أن أسفههم من عكس الأمر والمعاصي تخون العبد أحوج ما كان إلى نفسه في تحصيل هذا العلم وإيثار الحظ الأشرف العالي الدائم على الحظ الخسيس الأدنى المنقطع فتحجبه الذنوب عن كمال هذا العالم وعن الاشتغال بما هو أولى به وانفع له في الدارين فإذا وقع في مكروه واحتاج إلى التخلص منه خانه قلبه ونفسه وجوارحه وكان بمنزلة رجل معه سيف قد غشيه الحرب ولزم قرابه بحيث لا ينجذب مع صاحبه إذا جذبه فعرض له عدو يريد قتله فوضع يده على قائم السيف واجتهد ليخرجه فلم يخرج معه فدهمه العدو وظفر به .
كذلك القلب يصدأ بالذنوب ويصير مثخنا بالمرض فإذا احتاج إلى محاربة العدو لم يجد معه منه شيئا والعبد أنما يحارب ويصول ويقدم بقلبه والجوارح تبع للقلب فإذا لم يكن عند ملكها قوة يدفع به فما الظن بها عند عدم ملكها وكذلك النفس فأنها تخبث بالشهوات والمعاصي وتضعف أعنى النفس المطمئنة وان كانت الأمارة تقوى وتتأسد وكلما قويت هذه ضعفت هذه فيبقى الحكم والتصرف للأمارة وربما ماتت نفسه المطمئنة موتا لا يرجى معه حياة فهذا ميت في الدنيا ميت في البرزخ غير حي في الآخرة حياة ينتفع بها بل حياته حياة يدرك بها الأيام فقط .
والمقصود أن العبد إذا وقع في شدة وكربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله تعالى والإنابة إليه والجمعية عليه والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه ولا يطاوعه لسانه لذكره وإن ذكر بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه بحيث يؤثر فيه الذكر ولا ينحبس اللسان والقلب على المذكور بل إن ذكر أو دعاء ذكر بقلب غافل لاه ساه ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي .
كمن له جند تدفع عنه الأعداء فأهمل جنده وضيعهم وقطع أخبارهم ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة هذا وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر هو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك .
حتى قيل لأحدهم قل لا إله إلا الله فقال أه أه لا أستطيع أن أقولها وقيل لأخر قل لا إله إلا الله فقال شاه رخ غلبتك ثم قضى وقيل لأخر قل لا إله إلا الله فقال يارب قائلة يوما وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجرف ثم قضى وقيل لأخر قل لا إله إلا الله فجعل يهذى بالغناء ويقول تاتا ننتنتا فقال فما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ركبتها ثم قضى ولم يقلها وقيل لأخر ذلك فقال وما يغنى عنى وما أعلم أنى صليت لله تعالى صلاة ثم قضى ولم يقلها نسأل الله العافية والسلامة في الدنيا والآخرة .
بقلم فضيلة الشيخ : عبد الحميد كشك
موضوع: إرشاد العباد ــ من مجلة اللواء الإسلامى ــ العدد ( 317 ) 
الإثنين يناير 10, 2011 11:03 am