النفس فى القرآن الكريم
ـــــــــــــــــــــــــ
جاء القرآن الكريم بأصول علم النفس قبل أكثر من 14 قرناً من الزمان .. لقد سبق القرآن الكريم كل الاتجاهات الحديثة ، فتناول النفس الإنسانية من جوانبها المختلفة ....... قال تعالى :
( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) سورة ق / 16
تكوين الإنسان فى القرآن :
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من مادة وروح .. ومر خلق الإنسان بعدة مراحل للتكوين .. من تراب إلى طين إلى حمأ مسنون إلى صلصال كالفخار ، ونفخ الله فيه من روحه ، فكان آدم عليه السلام .
( وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشر من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين ) الحجر / 28 ، 29
وكذلك وجدت الروح فى الإنسان ممتزجة مع المادة فى وحدة متناسقة متكاملة .....
نمو الإنسان فى القرآن :
ولقد عنى القرآن ، بالمراحل المختلفة لنموا الإنسان من قبل أن يُخلق : ( ألم يك نطفة من منى يمنى ) القيامة / 37
والنطفة المذكرة تحمل فى رأسها نصف الصفات الوراثية المكتسبة من الأب .. وعندما تتحد مع النطفة المؤنثة .. تحمل النصف الثانى من الصفات المكتسبة من الأم ... وتبدأ عملية خلق الإنسان وتخلق ..
( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأنا خلق أخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) المؤمنون / 12 ــ 14 .
ويتابع القرآن مراحل خلق الإنسان فى رحلة الحياة بنفس روح الإعجاز والتسلسل البشرى فى نمو الجنين حتى يصير طفلا ثم فى مرحلة الشباب وأخيراً الشيخوخة :
( ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تتقون ) غافر / 67 .
صراع النفس البشرية :
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من مادة وروح ..
حيث يتم الصراع فى داخل النفس البشرية بين العنصر المادى والروحى .. ويحاول الإنسان فى صراعه هذا أن يوازن بين الجانب المادى والجانب الروحى ليحقق القدر الأكبر من الاتزان والتناسق ليحفظ لنفسه حقها من الدين والدنيا .. فقد يطغى الجانب المادى وتتجه النفس البشرية إلى إشباع رغباتها الدنيوية وتكون الملذات هى هدفها ..
( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) الشمس / 7 ، 10 .
ولقد أراد الله تعالى للإنسان أن يجتاز هذا الصراع النفسى عن طريق العقل الراجح لتحديد الطريق القويم الذى سيسلكه .
التوازن النفسى للمسلم :
والصراع النفسى للمسلم ينتهى أخيرا بالتوازن النفسى المطلوب .. حيث يتم التناسق والتوازن بين الجانب النفسى والمادى داخل النفس البشرية والنفس المؤمنة هى التى لا تنسى نصيبها المشروع من الدنيا بإشباع الحاجات المادية والبدنية التى أباحها الشرع فى الحدود المعقولة . وكذلك تؤدى واجباتها الروحية والدينية فى الصورة المطلوبة ..فلا هى نفس إباحية مطلقة ، ولا هى نفس رهبانية متقوقعة :
( وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا ) القصص / 7
النفس وأنواعها فى القرآن :
تناولت المدارس النفسية المختلفة النفس المضطربة . ولكن القرآن تناول النفس السليمة أولا ، وهى النفس القوية .. وكذلك عنى القرآن بالوقاية النفسية وتناولها بالشرح ... لآن الوقاية من المرض هو وسيلة لدفع المرض ..
النفس المطمئنة :
والنفس المطمئنة هى النفس الراضية المرضية المتزنة .. وهى النفس الإنسانية المؤمنة فى أعلى مراتب النضج والكمال الإنسانى .. هى النفس التى يسودها الاطمئنان .. ويكون من أبرز مميزاتها الاستقرار النفسى والطمأنينة ..
( يا أيتها النفس المطمئنة ، أرجعى إلى ربك راضية مرضية ، فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى ) الفجر / 27 ، 30
النفس الأمارة بالسوء :
وهى النفس التى تنحرف نحو الجانب المادى وتنساق وراء الملذات الدنيوية وشهواتها وأهوائها وتؤدى بصاحبها إلى الهلاك والتهلكة وعدم النضج النفسى والاضطراب النفسى فينساق الإنسان وراء نفسه وشهواتها حيث تنحرف به عن كل القيم الأخلاقية والدينية .
( إن النفس لأمارة بالسوء ) يوسف / 53
النفس اللوامة :
وهى النفس التى تتجاذبها الأهواء المادية ولكن بعد فترة يستيقظ الضمير ويبدأ الشعور بضعف الإرادة والانقياد وراء الشهوات. الرخيصة فى التحرك ، وتبدأ النفس فى الشعور بالذنب ويلوم الإنسان نفسه على ما بدر منها حيث يبدأ الندم ثم التوبة والرجوع للحق :
( لا أقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة ) القيامة / 1 ، 2
ولقد وضح القرآن الكريم هذه المفاهيم الثلاثة للنفس البشرية توضيحاً كاملاً ، حيث تتصف النفس المطمئنة بالتوازن والتناسق التام بين المطالب المادية البدنية والاحتياجات النفسية .....
ووصف النفس الأمارة بالسوء ـ وهى النفس المتدينة التى تسيطر عليها شهواتها وملذاتها المادية البدنية ـ وبين تلك وهذه تجى ء النفس اللوامة التى تحاسب صاحبها على ما يرتكبه من أخطاء ويسعى جاهداً للتوبة .
الأنماط الشخصية فى القرآن :
لقد عنى الإسلام بالشخصية السوية السليمة أولا . فى حين أن المدارس النفسية تناولت الشخصية المضطربة نفسياً .. والشخصية السوية هى التى تعنى بالبدن والروح وهى التى تتمسك بالإيمان وأداء العبادات والواجبات الدينية والدنيوية على الوجه الصحيح .....
ولقد حاول علماء النفس المحدثون دراسة الشبه والاختلاف بين الشخصيات المختلفة على أسس سماتهم النفسية وما يأتونه من تصرفات .. ولكن القرآن الكريم تناول الشخصية وصنفها على أساس العقيدة .. ولقد قسم القرآن الكريم الناس على حسب العقيدة إلى ثلاث أنواع .
المؤمنون .. والكافرون .. والمنافقون .. ولكل نمط من هؤلاء صفاته الأساسية فى مجالات العقيدة والعبادات والعلاقات الاجتماعية والأسرية والحياة العملية والمهنية ..
ويشير هذا التصنيف إلى أهمية العقيدة فى تكوين نفسية الإنسان وشخصيته .
إن النفس البشرية سر إلهى كبير .. حاولنا فى فهمها بالاستعانة بمدارس نفسية كان روادها أنفسهم فى حاجة إلى من يفهم نفسياتهم وانحرافها ونسينا أو تناسينا خالق النفس ذاتها .. فأنسانا أنفسنا .
( نسوا الله فأنساهم أنفسهم )
ولقد آن الأوان للرجوع بعلم النفس إلى جذوره الأساسية فى القرآن الكريم .. ونعود إلى الحق والعود أحمد .. ونزرع الإيمان الصادق فى نفوسنا من جديد ..
( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى ) النازعات / 41 .
د / محمد عبد الله سيد خليفة
موضوع: النفس فى القرآن الكريم 
السبت أكتوبر 09, 2010 10:15 am
