منبر الابداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منبر الابداع للابداع شكل جديد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاءتسجيل دخول الاعضاء
  فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - 14971045

 

  فساد المجتمع - الجزء الثانى -

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سليمان شاويش
المشرف العام
المشرف العام
سليمان شاويش


عدد المساهمات : 311
نقاط : 748
تاريخ التسجيل : 21/01/2010
العمر : 64

  فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Empty
مُساهمةموضوع: فساد المجتمع - الجزء الثانى -     فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 21, 2010 8:12 am

فساد المجتمع

الجزء الثانى
- 1 -
بعد وقت ليس بقصير أتى سعيد لداود وأبلغه أن مناقصة الترميمات قد أعلنت عنها هيئة الأبنية ، ما عليه إلا أن يكلف أحد مهندسى المكتب بالذهاب إلى الهيئة لإحضار الأوراق الخاصة بها ، ثم معاينة المبانى التى سترمم وعمل ميزانية لها ، والتقدم بالعطاء فقط ويترك الباقى على سعيد ، وطمأنه أنه مستعد للدفع بهذه المناقصة وجعلها هى الأولى .
بالفعل تقدم داود بالعطاء لهيئة الأبنية ، وقبل التقدم كان قد أبلغ سعيد بذلك ، وراح يسعى بدوره إلى نشأت الذى لم يتحرج من أن يطلب من سعيد ما يريد نظير إرساء المناقصة علي مكتب داود ، ولم ينسى سعيد أيضا أن يزيد فى الخفاء ما يزيد ، ثم يطلب المبلغ مضاعف من داود الذى لا يرد لسعيد أى كلمة ولا يراجعه ، فإن ما ينفقه يعود عليه بأكثر مما ينفق .
يوم أن رست المناقصة على داود ، كان سعيد أول من بارك ، وقال له أن المقاول الذى سيأخذ هذا العمل من الباطن جاهز وعلى أتم الاستعداد .
وكان هذا هو رأى مهندسى المكتب بعد أن استشارهم داود
وافق بدون جدال ، حيث علم من أحد مراقبى العمل أن الهيئة فى طريقها لطرح مناقصة بناء أخرى ، أكبر وأوسع من التى يعمل بها الحين ، ولا بد له من أن يكرس كل جهده للفوز بهذه المناقصة ، ولا يجعلها تذهب لغيره .
وما أن انتهى من الاجتماع وصار وحده اتصل بسعيد ، كى يأتى له بالمقاول الذى سيأخذ منه مناقصة الترميمات للاتفاق معه ، ولم ينسى أن يقول لسعيد أنه إذا أخذ المقاول هذه المناقصة ، سيقوم داود بالمرور عليه عدت مرات بموقع العمل ، حتى يبدوا أنه هو الذى يقوم بالعمل أمام المراقبين .
كان المقاول يعى ذلك جيداً ولم يبدى أى اعتراض عند عرض ذلك عليه ، وشكر لسعيد موقفه هذا معه وحمد داود كثيراً ، مع أنه أخذ المناقصة بثلثى المبلغ المقرر لها وهو يعلم أنها ستدر عليه ربح لا بأس به .
رغم كل هذه المعاملات وحسن الإدارة التى يتميز بها داود ، إلا أنك إذا جلست بينهم هو وزوجته اعتماد رزق شديد وولده ممتاز وابنته امتياز ، تشعر كأن هذه الأسرة لا تقيم معا فى شقة واحدة ، ولا تجمعهم رابطة لا حوار ولا نقاش حول أى موضوع صمت مطبق ، كل فرد منهم فى طريق مختلف عن الأخر لا اهتمام ولا تشاور ، الألفة منعدمة والود منقطع والمعروف ليس له سبيل بينهم ، فداود كما أنه غريب فى الحى والشارع غريب أيضا داخل شقته وسكنه ، نادراً ما يأخذهم فى نزهة وليس له أصدقاء يودهم ويودنه حياة قاتمة منعدمة الألوان .
تقابل داود بسعيد وأسر إليه سعيد أنه من الواجب عليه أن يقوم بدعوة العقيد سيد الدفراوى ، لسهرة أو أن يقوم بزيارته فى بيته ويعد لذلك هدية قيمة لأبنت العقيد ، وأن الزيارة له أفضل مع الهدية ، تململ داود عند سماع كلمت الهدية ، وأصر سعيد على ذلك وعلل هذا بأنه أصبح فى قلب أعمال كثيرة وكبيرة ، وليس له إلا هذا الرجل يقوى به ويرتكن عليه عند اللزوم وقال له .
ـ الشىء لزوم الشىء يأخى .
وفى النهاية أقتنع داود وطلب منه أن يحدد له يوم لزيارته ، حتى لا يذهبان هكذا دون سابق علم .
ويوم أن ذهبا إليه أستقبلهم الرجل بحفاوة بالغة ، وأبتسم ابتسامة عريضة وهو يرى داود يخرج الهدية التى قدمها له استقبلها العقيد قائلا .
ـ ما هذه ؟
انحى داود قليلا ونظر إلى تحت قدميه وقال .
ـ شىء بسيط سيادتكم .. فأنا فى حيرة من أمرى ماذا أقدم لكم .
لبس العقيد قناع الجد والهدوء على وجهه وقال .
ـ معرفتى بك أفضل من كل شىء .
ابتسم داود وقال .
ـ معرفتى بك ومعرفتك بى هديتنا .. ولكن هذه هدية أبنت سيادتكم .
شكره العقيد ودعاهما للجلوس هو وسعيد الذى بدأ فى حديث ، لا يمل منه ولا يكف لسانه عنه ، وذهب يشرح للعقيد كيف أن داود ألح عليه كثيراً ، حتى يحظى بالزيارة والتشرف بالجلوس معه بأى طريقة ، وكيف أن داود يتمنى أن يكون بالقرب منه وإلى جواره ، فى أى مكان كان سواء بالزيارة أو دعوته فى أى مكان يحدده ، وداود يسمع وبين الحين والحين ينظر إليه متعجباً من قوله ، وكيف جاء بكل هذا من عنده ! .. وود لو ينصرف من فوره ويتركهما لكنه أثر الجلوس وهو يتضجر وغير راضى بما يقوله سعيد ، ومع ذلك يهز رأسه بالموافقة دون إرادته ، ثم أكمل سعيد حديثة أن داود يفكر فى دعوة سيادته والأسرة لتشريفه بشقته ، وللتعارف على أسرة داود وكم تغيرت ملامح داود كثيرا لهذا الحديث لكنه ظل يلوذ بالصمت .
قال العقيد بطبيعته الجادة الصارمة .
ـ أنا أشكر له ذلك .. لكن طبيعة عملى تأخذ كل يومى .. وليس فى الوقت متسع .. وإن سنحت فرصة سأكون تحت أمركم .
لم يطول الوقت بهم فى هذه الزيارة ، وحاول داود أن لا يطول أكثر من ذلك ، فما أن انتهى من الشراب ، انتظر قليلا واستأذن بالانصراف .
كانت هناك قصة بدأت تنسج خيوطها من خلف ظهر سعيد ، وهى تعلق أبنه وليد بسعاد أبنت نشأت موظف هيئة الأبنية ، بدأ الأمر بسيط فى أوله وهو سعى الولد للتعرف عليها وفتح قناة للتعارف والحديث ، ولو كان عن طريق الهاتف ، وكان المتاح له أن يذهب ليراها فقط أمام جامعتها دون أن تلمحه ، إنه الشباب وأمنياته والقلب وإلحاحه الكثير فى هذا السن ، فأنه يقود ولا يقاد ويسعى بترقب وخوف من أن يعلم أحد ، فمع قوت الحب فى هذه المرحلة إلا أنه يغلفها حذر ، قد يقوده الاندفاع والتسرع دون أن يشعر المحب بذلك .
فقد يظن أنه على حذر لكنه متسرع وقد يرى أنه يراقب ولا يراه أحد ، وفى نفس اللحظة مراقب هو الأخر من غير أن يعلم .
تردد وليد كثيرا أمام جامعة البنت ، ومن كثرة تردده لمحته وتذكرته أنه ابن سعيد ، وحاولت أن تتذكر أسمه فلم تستطع ، لم تتذكر سوى أنه ابن سعيد العبد فقط .
عرفته يوم أن كانوا بضيافتهم ، وتذكرت لحظة أن أشاحت لها أمها ، بأن لا تطيل النظر حتى لا ينتبه أحد لهما .
ثم همست لنفسها .
ـ سأتركه يكرر هذا ولا أعيره انتباهى .. من المؤكد أننا سنزورهم وهم يزورنا .. فليكن السعى للمقابلة بعد عدة زيارات .
مع الأيام نحكى فنحن لا نحكى الأيام بل هى التى تحكينا ، واليوم بعد اليوم قصة لماضينا ، فهل كل إنسان قادر بأن يأتى بكل ما حدث فيها ، وإن حاول أن يأتى بكل صغيرة وكبيرة ، فمن المؤكد أنه سيخفى عليه بعض ما حدث فيها .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سليمان شاويش
المشرف العام
المشرف العام
سليمان شاويش


عدد المساهمات : 311
نقاط : 748
تاريخ التسجيل : 21/01/2010
العمر : 64

  فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Empty
مُساهمةموضوع: رد: فساد المجتمع - الجزء الثانى -     فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 28, 2010 6:09 am

فساد المجتمع
الجزء الثانى

ـ 2 ـ
كان سعيد يجلس مع دود بمقر المكتب ، حين أبدى سعيد دهشته وتعجبه ! ، كيف بهما معا كل هذه المدة ؟ ولم يشرفه داود بزيارته ولم يجمعا الأسرتان سوياً ، حتى ولو لمرة واحدة كل فترة من الزمن ، فقد كانت طبيعة داود لا تشجعه على ذلك ، إلا انه فى هذا اليوم تمسك بقراره الذى أتخذه ، لم يتركه وقال له على سبيل المزاح .
ـ يا أخى أقبل دعوتى هذه .. وأنا غير منتظر دعوة مقابل لها .
أحس داود بالخجل وحاول أن يواريه فقال .
ـ أزورك وحدى .
تمسك سعيد وقال له بود .
ـ لا أنت والأسرة .
إن سعيد لا يخشى من داود أن يترك صداقته ، فداود فى أمس الحاجة إليه ، وسعيد يدرك ذلك لكنه ود من الزيارة أن يوثق العلاقة بين الأسرتان ، ولم يتركه سعيد إلا بعد أن حدد يوم لزيارته .
يوم أن ذهب داود وأسرته لسعيد ، وجد شىء لم يألفه ولا تعود عليه فى معاملته بأسرته ، فأسرة سعيد كلها تتحدث بطلاقه ولسان حسن ، وكان داود وأسرته من المستمعين فقط ، كما أبهرهم الطعام المقدم لهم وتعجب من مهارة الإعداد وبراعة الطهى ، حتى أنه ظل ينظر إلى زوجته خلسة وكأنه يعيبها ما تعده لهم من طعام .
بعد الانتهاء من تناول الطعام ذهب أبناء سعيد فى حديث طويل لا ينقطع ، لم يتمكن أبناء داود بمجاراتهم فيه ، مما جعل الخجل يتسلل إليهم وفضلوا الصمت والاستماع ، فامتياز أبنت داود بدا على وجهها حمرة الخجل أثناء حديث وحيد ابن سعيد معها ، ورشا أبنت سعيد انفردت بممتاز بجوار الجالسين ، وراحت تحاوره وهو لا يستطع أن يجاريها فيما تتحدث ، سوى أنه عبر لها عن إعجابه بها وما أبدته له من ود وحديث لطيف .
قد كانت لدى الأسرة خلفية قبل الزيارة ، أن داود هو صاحب المكتب الذى يدر عليهم المال هذه الأيام ، فالكل يبذل كل ما فى وسعه ليكسب الود ، حتى تزداد العلاقة وتقوى روابطها ، ويتسع نطاق التعارف وتمتد خيوطه وتتشعب .
كانت هذه الزيارة بالنسبة لأسرة داود بمثابة فسحة لم توتح لهم من قبل ، ولم يقابلهم مثل ذلك فى حياتهم ، وقد أزاحت شىء من الكبت النفس ومما يلقونه نظير غلق الباب على أنفسهم ، وتمنوا فى داخلهم أن تتكرر مثل هذه الزيارات ، ولم تخفى السيدة اعتماد رزق شديد رضاها ، وصرحت به لزوجت سعيد .
قبل الانصراف تمنت الأسرتان أن تدوم هذه الزيارات بينهما ، مع تحفظ بدى على وجه داود لكنه لم يتمكن من الإفصاح ، ومع ذلك أبدى سروره بما كان من سعيد والأسرة .
0 0 0
بفوز مكتب داود بمناقصات أخرى فى البناء من الهيئة مع عدت مناقصات فى الترميم ، أفسد ذلك على مكتب أخر هو مكتب عيد ، الذى ذهب يسأل ويستفسر عن السبب فى عدم إسناد المناقصات لمكتبه ، بعد أن كان يسند إليه فيما سبق ، وسعى كثيرا دون جدوى وأحزنه ما هو فيه من توقف مكتبه عن العمل ، حتى أنه ذهب إلى داود يحاول تطبيع الأمور معه فلم يجد قبول ، ووصل الأمر لحد أن طلب منه أن يترك له ولو مناقصة واحدة ، بعد كل عدت مناقصات كى لا يتوقف مكتبه عن العمل ، لكى يفى بما عليه من متطلبات العمال والحياة ، وحتى لا يضطر للاستغناء عن العاملين معه ، وكأن الرجل يتحدث لحائط أصم بدون قلب ، إنسان غير رحيم لا يرى سوى نفسه فقط .
تركه الرجل ومضى وهو لا يرى أين يضع قدميه ، فإن استمرار الحال على هذا النحو سيعرضه لإغلاق مكتبه . وقال لنفسه وهو عائد لمكتبه .
ـ أحاول أن ابحث عن أحد .. يتوسط لى عند داود .. ليعطينى عمل ولو كان من الباطن .. شىء أفضل مما لا شىء .
ثم هدأ من ثورته التى تشتعل بداخله ، وعاد يحدث نفسه أو يفكر بصوت خافت .
ـ إن لم أوفق .. كيف لى أن اسلك طريق مثل ما سلك ؟ .. أو أتبع أسلوب كأسلوبه فى الحصول على المناقصات .. أنا مسئول عن مكتب به مهندسين وموظفين وعمال .. كل هؤلاء على توفيق أوضاعهم .. ماذا أفعل ؟
راح يتحسس ويتحرى عن من له كلمة مسموعة لدى داود ، عله يقنعه أن يعطيه عمل من الباطن لا ليجنى من ورائه مكسب ، بل ليكفى حاجته وحاجة العاملين معه فقط .
لم يهدأ إلا بعد أن هداه احد معارفه إلى سعيد العبد ، أكد له أنه هو الوحيد القادر على التوسط لدى داود .
عندما تقابل صاحب مكتب عيد مع سعيد شرح له ما آل إليه الحال ، وصرح له بما يريده منه بكل صدق ، طلب منه سعيد أن يترك هذا الأمر عليه ، ولا يتعجل وطمئنه بأنه قادر على إقناع داود .
اتصل سعيد بداود وطلب منه أن يخصص له جزء من وقته ، ولا تكون المقابلة سريعة مثل الأيام السابقة ، فلديه أمور هامة جداً يريد أن يبحثها معه ويناقشها بروية ، بالفعل حدد له يوم وساعة المقابلة والمكان بالمكتب .
يوم أن تقابلا بدأ بما أدهش داود حيث تحدث معه فى شأن صاحب مكتب عيد ، حيث كان يظن أنه لم يستطع الوصول إلى سعيد الذى ضحك وارتفع صوته وقال .
ـ يا صديقى كله يمر من خلال سعيد .
سائله داود بحيرة
ـ هل لك به معرفة سابقة ؟ !
أكد له سعيد أنه لم يعرفه من قبل ، ثم بدأ يشرح ما يريده هذا الرجل منه وحاول إقناعه بأنها لن تؤثر على عمله حيث أنها بسيطة وممكنه .
نظر إليه داود برفق وقال .
ـ بكل صراحة أنا على استعداد للتعامل مع هذا الرجل .. بشرط أن يكون من خلالك أنت .. ولكن ليس ألان .
تعجب سعيد وسأل .
ـ لماذا ؟ !!
ـ اتركه بعض الوقت .. حتى لا يطمع .. ويقبل بما نعرضه عليه .
ربت سعيد على المكتب وقال بهدوء
ـ اسمع عندى لك أعمال لم تكن تتوقعها .
أعطى داود كل اهتمامه لسعيد ، وراح يشرح له أنه تعرف على أحد مهندسى هيئة الأثار ، وأن هذا الرجل قال له كيف تقوم الهيئة بترميم الأبنية الأثرية القديمة ، وتقوم بطرح العمل لبعض الشركات ومكاتب المقاولات ، وأنها تنفق الكثير على ترميم هذه الأبنية ، وأن المهندس على أتم استعداد لإسناد بعض هذه الأعمال لمكتب داود .
ظل سعيد يمتدح العمل ، وكيف أنهما سيربحان من خلاله أموال كثيرة إن التزم بالعمل به ، وأشار عليه أن يبحث عن مهندس بارع ، فإن العمل رغم أنه بسيط فإنه يحتاج إلى مهارة فائقة .
ثم صمت قليلا وأتجه لداود قائلا .
ـ وأشير عليك بشىء هام .
حرك داود رأسه لليمين ولليسار وسائل
ـ ما هو ؟
ـ هناك خطوة لا تغفل عنها الأيام المقبلة .
اتسع صدر داود وثبت نظره على سعيد وقال
ـ تحدث بما عندك فإنى مستعد لسماعك
ـ لا بد أن نقوم بتغير ترخيص المكتب وكل الأوراق من مكتب مقاولات إلى شركة مقاولات هذا أفضل .
شرد داود قليلا ثم عاد للحديث
ـ بهذا سأحتاج لمبنى اكبر وأوسع من ذلك .
لم ينتظر سعيد وقال .
ـ على هذا سأبحث لك عن مبنى يليق بها كشركة.
انتظر داود قليلا وقال
ـ نترك هذا الأمر بعض الوقت .
شعر سعيد بالراحة والاطمئنان وقبل أن ينصرف ، أكد عليه مرة أخرى بشأن صاحب مكتب عيد ، الذى بدأ الحديث عنه أول اللقاء ، فقال له داود أنه سيعطيه ما يريد ، من المناقصات القادمة دون تردد .



يتبع بعده

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سليمان شاويش
المشرف العام
المشرف العام
سليمان شاويش


عدد المساهمات : 311
نقاط : 748
تاريخ التسجيل : 21/01/2010
العمر : 64

  فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Empty
مُساهمةموضوع: فساد المجتمع الجزء الثانى - 3 -     فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 04, 2010 2:10 pm

فساد المجتمع
الجزء الثانى
ـ 3 ـ

بعد أن انصراف سعيد أغلق داود المكتب عليه ، وأمر العاملين بعدم إزعاجه ، لا مقابلة ولا مكالمة تليفونية ولا أى صوت يسمعه منهم .
وأخذ يراجع ما قاله سعيد ، وأسعده كثيراً عمليات الترميم بالأبنية الأثرية ، فهى غير مكلفة والهيئة تنفق عليها مبالغ كبيرة ، أهم ما فى الأمر هو الخطوة الأولى وبعد ذلك لن يتركها .
ثم ذهب يدير فى رأسه العرض الذى عرضه سعيد ، وأشار به عليه بتغيير الترخيص من مكتب إلى شركة ، إن هذا سيدعمه وسيتسع نطاق تعاملاته ، وسيدفعه ذلك إلى أخذ مناقصات وإنشاءات ربما تصل إلى مناقصات مدن ، شىء لم يكن يتوقعه ولم يخطر له على بال .
همس فى نفسه
ـ إن هذا الرجل سعيد العبد لغز .. ويا له من لغز .
ابتسم فى رضى وضغط على جرس استدعاء الساعى الذى هب من فوره إليه ، طلب منه فنجان قهوة دبل ، واتاح المقابلة لمن يريد أن يقابله أو يتحدث معه .
* * *
من خلف ظهر داود البعيد عن بيته وأبنائه دائما ، ومن وراء سعيد الذى يغمض عينيه أحياناً كثيرة ، بدأت خيوط علاقة شبابية بين وحيد الابن الثانى لسعيد وامتياز ابنة داود ، لقد انبهرت البنت بأسلوب معيشة عمها سعيد وقد تركت الفلة أثر فى نفسها مع إن والدها يمتلك أكثر ، ولأن حديث أبناء سعيد يلفت النظر ويلهى ويدير الرأس ، فلا يملك محدثهم إلا أن ينصت إليهم ويقع فى حبائلهم.
وكان حديث ابنى سعيد الدائم فيما بينهم عن علاقة وليد بسعاد نشأت ، العلاقة التى بدأت تأخذ خطواتها على استحياء وتردد ، وعن ذلك الخيط الرفيع الذى بدأ ينسج خيوطه ، بين وحيد الأبن الثانى لسعيد وامتياز أبنت داود ، الحديث يطول بينهما وليس لهم شريك ثالث .
فالحب شىء بديع ، والاستمرار فيه بأمان واستقامة أجمل ما فيه ، والإفصاح عنه للمقربين والمشورة من الكبار هو الأمان ، حتى لا تأخذ لوعة الحب المحبين فتدفعهما لشرخ هذه العلاقة ، ولو تمت معالجة هذا الشرخ سيظل أثره موجود .
* * *
احتاج داود يوما للسمسار الذى توسط له فى إيجار الشقتين ، بحث عنه وأبلغ كل من له صله به ويعرفه ، إن قابله يرسله إليه على عجل .
وما هى إلا أيام حتى أتاه السمسار يسعى لمكتبه ، رحب به داود كثيرا وأعطاه ما رضيت به نفسه . وقال له وهو يعطيه .
ـ هذا مقابل المواصلات فقط .
ثم طلب منه أن يبحث له عن بيت صغير ، وإن كان من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ ، وأن يكون فى حى شعبى من الدرجة الأولى . قال وهو يؤكد عليه .
ـ شعبى شعبى .
واستفسر السمسار منه .
ـ أتريده إيجار أم شراء ؟
ـ أريده شراء .. ولا تنسى أن يكون بأقل الأسعار .. وأريد منك أن لا يعلم أحداً بذلك .. حتى وإن كان ولدى .
ـ لا تقلق على ذلك .. لك منى ما أمرت به .. واطمئن من ناحيتى
انصرف السمسار وهو يقول .
ـ سأتيك عن قريب بما تريد .. ستكون مسرور بما سأختاره لك .
إن حاولت أن تعرف لماذا يريد داود شراء هذا البيت ، فلن تفلح ولن يُعلم هو أحد ، من الصعب جداً معرفة ما يفكر فيه ، ومن المؤكد أنه لن يبلغ زوجته وأولاده عن شراء هذا البيت ، فكل ما يدبره يمضى إليه وحده سراً لماذا ؟! لا تعرف .
رجل خلفه كثير من الأسئلة لا يسمح لأحد أن يسأله إياها وإن سألت لا يجيب ، وإن مات سيترك لغز فى حاجة إلى حل ، هذا هو داود عبد النعيم خضر الذى يعشق جمع الأموال وكنزها ، لا لشىء سوى حب امتلاكها ، فهو ليس بمسرف ولا يعشق حب إمتلاك العقارات أو الأطيان ، لماذا هذه العشق للمال ؟! قد تكون النفس أو سر يخفيه أو يدبر لشىء لا يعلمه إلا هو .
* * *
كان وحيد سعيد أسرع فى التقرب من البنت التى أختارها من أخيه وليد مع إن وليد الأكبر ، فقد ذهب وحيد يوم إلى حيث مكان مدرسة امتياز ليراها من بعيد مرة ، وفى الثانية تقرب منها وتحدث إليها ، وعندما سألتها إحدى أصدقائها عنه أبلغتها أنه قريب لهم ، والمرة الثالثة كان معا يجلسان على احد المقاعد بحديقة عامة ، تحدث معا كثيرا فى مواضيع عادية وأحاديث عابرة ، ولم يتمكنا من الإفصاح عما بداخلهما ، كل ما فى الأمر أنهما عشق هذه المقابلات مرات عديدة حتى انتهت السنة الدراسية
* * *
وعن وليد فلم يتقابل مع سعاد إلا مرات قليلة فى مثل هذه الحدائق أو بداخل الجامعة ، ربما لأن سعاد أكبر سناً من امتياز ، ولديها خبرة وتجارب أكثر منها ، علمتها كيفية التعامل فى مثل هذه الأحوال أو الحياء والخجل ،
ـ ربما .
* * *
أيام وعاد السمسار لداود بما كلفه به بشأن البيت الذى يريد شرائه ، لم يتركه داود إلا بعد أن ذهب معه وعاينه ،
بيت صغير بأقل سعر مساحته صغيرة وهذا ما كان يتمناه ، بعد المعاينة أشار على السمسار أن يتقدم بشرائه من صاحبه ، وحدد له مبلغ لا يزيد عليه ولا يكن متسرع ، ولا يغالى فى تقيم البيت ، حتى لا يطمع الرجل وليصل للسعر الذى يريد .
بعد أن توصل السمسار لأخر سعر للبيت ، ذهب لداود وابلغه بما وصل إليه ، وحدد داود لهو يوم يأتى إليه ليذهب معه لإتمام الشراء .
انتهى داود من شراء البيت ، وللمرة الثانية أكد على السمسار ، أن يخفى هذا الخبر ولا يفصح لأحد عن ذلك ، ولو كان لأبنائه ويجعله سر فى غاية السرية ، ثم قام بتغيير الكوالين وزاد عليها الترابيس ، وطلب من السمسار أن يسأل له عن نجار أثاث ، يصنع له بعض من أثاث للبيت ، فدلهما أحد سكان الحى على ورشة نجارة ذهبا إليها فوجداها مغلقة ، فقال للسمسار نأتى غدا ،
مضى إلى حيث سكنه وأعطى السمسار ما رضى به كل الرضى نظير بحثه عن البيت ، وإنهاء الشراء معه وهمس السمسار لنفسه .
ـ إن هذا الرجل يعطنى دائما .. أكثر مما أتوقع .
اليوم التالى ذهب داود إلى المكتب وأصدر تعليماته للموظفين ، ثم اتجه إلى موقع العمل وتقابل مع المهندسين وباشر بعض الأعمال ، وترك الموقع بعد أن كلف احد المهندسين أن يقوم مكانه ، لأن لديه أعمال ستمنعه من التواجد معهم وربما لا يعود إليهم اليوم .
تركهم وذهب إلى الحى الشعبى الذى به البيت ، ثم اتجه إلى ورشة النجارة فوجد صاحبها ، طلب منه أن يصنع له سرير صغير لفرد واحد ، وكنبتان على أن تكون واحدة منهما بصندوق داخلى ، يأخذ كل تجويفها ويكون لها كالون للغلق ـ كنبة بسحارة ـ ودولاب من درفتين ، وأعطاه جزء من المبلغ المتفق عليه ، وسائله عن اليوم الذى سيكون قد انتهى من صُنعِهم ليأتى إليه يأخذهم .
ثم ذهب للبيت الجديد وراح يتفقده ليرى إن كان بحاجة لشىء من الترميمات ، أو أن هناك أى منافذ تسمح لأحد بالدخول إليه أم لا .
كانت إحدى الغرفتان تطل على الشارع والأخرى داخلية ، ليس لها منفذ إلا مسقط نور صغير ينفذ منه نور ضئيل ، من أجل ذلك كانت الغرفة مظلمة يضيئها مصباح كهربائى .



يتبع بعده





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سليمان شاويش
المشرف العام
المشرف العام
سليمان شاويش


عدد المساهمات : 311
نقاط : 748
تاريخ التسجيل : 21/01/2010
العمر : 64

  فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Empty
مُساهمةموضوع: فساد المجتمع ( الجزء الثانى ) 4     فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Icon_minitimeالأحد أكتوبر 10, 2010 9:40 am

فساد المجتمع
الجزء الثانى

ـ 4 ـ
أحيانا كثيرة يسعى الإنسان ليرسى قواعد لحياة جديدة ، وهو لا يدرى أنها ستهوى به وتحطم ما شيد من بناء .
عاد داود لشقته وكأنه لم يفعل شىء .. لم يشترى بيت ..لم ينفق على أثاث جديد ، وكان قد عقد العزم على أن لا يعلم أسرته بذلك وجعل الأمر طى الكتمان .
حياة الإنسان ليست خاصة به وحده ، فالمحيطون به لهم حق مشاركته فيها ، وخاصة الأهل لهم الحق فى معرفة ما سيقدم عليه ، وما قام بفعله أما أن يجعل أمراً مثل هذا ذا أهمية طى الكتمان ، وسر لا يعلمه إلا هو ، فإن ذلك ليس من الطبيعى ومخالف للصواب .

كان فى هذا الوقت سعيد منهمك ، بتوطيد العلاقة بمهندس الآثار سعفان كامل عوضين ، أكثر من الاتصال به .. وضيافته فى عديد من الأماكن العامة كالمقاهى والكازينوهات الليلة ، يرغب من وراء ذلك تمهيد الطريق لحوار طويل ، ليصل لما يريد من منفعة تعود عليه ، كما يمنى النفس بذلك دائما .
ثم ألمح بأن له صديق يمتلك مكتب بناء وهدم وترميمات ، وسائله إن كان من سبيل .. ليكون له نصيب من أعمال هيئة الآثار .. وايكال بعض أعمال الترميمات لهذا المكتب .
أفسح له المهندس سعفان وقت كبير ، وشرح له إمكانية التقدم لهذا العمل ، وطمئنه أن لا يشغل باله بذلك ، فعندما تحين الفرصة سيكون هو أول من يخبره بذلك ، قبل إعلان الهيئة عنه .
ولم يخفى سعيد عرضة الدائم لكل من يتعامل معه ، انه سيكون له هدية قيمة ، أو كما يطلب هو سيأخذ وقابل المهندس هذا باستحسان .
وطلب أن يمهله بعض الوقت ، وأوصاه سعيد أن يكون الأمر بينهما سراً ، وما عرضه عليه سيأخذه منه لا من صاحب المكتب .
طمع سعيد الدائم معروف ، يجعل الطرفين بعيدين ليكون المبلغ المالى سر وخاص به وحده .
قبل أن يسند المهندس سعفان أى عمل لمكتب داود ، كانت العلاقة بينه وبين سعيد توثقت واتسع نطاقها ، حتى أنه وصل الأمر لدعوة سعيد المهندس سعفان وزوجته منى كامل زينهم ، لتشريفهم لتكون العلاقة قوية بين الأسرتين ، وتكون أسرية خالصة كما قال له سعيد ، ولم يبدى المهندس اعتراض وتقبل الدعوة بصدر رحب ، ودائما سعيد كلما تعرف على أى رجل ذا شأن فى مصلحة ما ، يشعره أنه أهم عنده من كل مهم ، وأنه خير من تعرف عليه .

وعن داود يرى أن ما يقوم به سعيد شىء لابد منه ، ولا يعنيه إن كان يأخذ من خلفه كثير أم قليل ، فإنه يكفيه مشقة البحث والسعى والتردد على المؤسسات ، أنه يأتى له بمشاريع العمل حتى باب مكتبه ، بل إلى كرسيه الذى يجلس عليه ، إنها مهمة مضنية يتكفل بها سعيد من غير أن يفطن لذلك ، وإن فطن فإن ما يكفيه يأخذه فسعيد يراه كثير وداود يراه قليل ولكن لا يخبره بذلك
* * *
كانت الزيارة التى قامت بها أسرة داود لأسرة سعيد حدث هام ، فإن أبناء داود وجدوا لدى أبناء سعيد شىء ما ينقصهم .
فقد بدا لهم أن هذه الأسرة بينهم حوار دائم ، شىء مفقود لدى أسرة داود مما أدى بممتاز يشعر بالسرور والراحة تجاه رشا سعيد وهى تتحدث إليه ، وأعجب بشجاعتها وأرائها رغم صغر سنها .
بدأ ينشغل ويفكر فيها ، وكان يعود دائما للحديث الذى دار بينهم عند زيارتهم، ولم يخفى عليها أنه شعر بميل نحوها ومعجب بأفكارها .
قال هذا وهو يهمس فى خوف كى لا يسمع أحد من الجالسين معهم ، وطلب منها أن تخفى هذا ولا تبديه لأحد ، وأحست البنت ساعتها بود تجاهه عندما صارحها .
إنها بالسنة الأخير بالثانوية العامة وعن قريب ستصبح بالجامعة ، إنها تدرك المشاعر والعواطف وتبحث عنها ، وصار لها فكر تسعى به وإدراك بدأ يميز ، وحدود تحدها لنفسها فهى تمضى إلى الاستقلالية .
كان ممتاز يحاول الاتصال بها لكن الخوف وكثرت التردد رغم سنه يمنعه ، وحدث نفسه كيف يحظى بلقاء معها ، ويمنى النفس أن يقوم أباه بدعوتهم يوم لزيارتهم ، حتى يتثنى له الحديث معها ، أو لمعرفة كيف الوصول إلى مقابلتها ، إن عواطفه متأججة ويريد أن يبوح بما تكنه نفسه لها وما يحمله بين حنايا صدره .
ثم يهمس لنفسه دائما .
ـ سأترك هذا للأيام .
فلم يحاول أن يذهب يوم إلى باب مدرستها ، وقد أخذه خياله فى ضروب شتى ، وحواره السرى العاطفي والحنين إليها ليس لها حد ، ولم يقدم إلى أى خطوة لإرضاء مشاعره ، ولمعرفة ما تكنه هى له ، فمعى أنه بالجامعة لكن رهبة هذه العلاقة تمنعه وتقف حائل بينه وبين ما يريد .
ويكتفى بأن يمنى نفسه ويحلم بها من بعيد ، ودائما يهمس لنفسه .
ـ سياتى يوم اقابلها وأتحدث إليها مرة أخرى .
وراح ينتظر هذا اليوم .




يتبع بعده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سليمان شاويش
المشرف العام
المشرف العام
سليمان شاويش


عدد المساهمات : 311
نقاط : 748
تاريخ التسجيل : 21/01/2010
العمر : 64

  فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Empty
مُساهمةموضوع: فساد المجتمع الجزء الثانى ــ 5 ــ     فساد المجتمع   -    الجزء الثانى    - Icon_minitimeالثلاثاء أكتوبر 19, 2010 8:47 am

فساد المجتمع
الجزء الثانى

ـ 5 ـ
من ينتظر حدث يكون هو أول من يصل إليه علمه ، فهذا كان شأن صاحب مكتب عيد ، ما أن أعلنت هيئة الأبنية عن مناقصة جديدة تقدم بعرضه ، كما تقدم مكتب خضر ولم يقع الاختيار على مكتب عيد .
فأسرع الرجل إلى سعيد ليتم وساطته لدى داود ، من أجل أن يعطيه بعض من الأبنية من الباطن ، مع علمه أن هذا لن يعود عليه بالمكسب الذى يرضيه ، لكنه أراد أن يوفى رواتب العاملين معه ، وقليلاً من المكسب الذى يكفيه ، وكما قال لنفسه عمل أفضل من لا عمل .
حاول سعيد مراوغة الرجل إلى أن وعده بهدية ترضيه ، على أن يضغط على داود ليتسامح ويتساهل قليلاً فى الاتفاق المالى .
على الفور اتجه سعيد إلى داود قبل أن يقوم بأى عمل فى هذه المناقصة التى رست عليه ، وذكره بوعده له تجاه صاحب مكتب عيد ، لم يرد داود له طلبه هذا ، وألح عليه أن يكن معه متساهل فى الاتفاق المالى .

ابتسم داود فى خبث وقال .
ـ أرى أنك تميل لهذا الرجل .
أشار له سعيد وقال .
ـ ليس كما تظن .. كل ما فى الأمر .. أننا أفسدنا على الرجل .. ما كان يأخذه من الهيئة .. وأرى أن نرفق به.
تحجرت ملامح داود وقال .
ـ ليس فى العمل لين ولا رفق .
ـ تذكر أنى لا أبخل عليك بشىء !.
ـ أعرف ذلك .
ـ اعطنى موعد يأتى لك فيه صاحب مكتب عيد .
خفت حدة ملامح وجه داود قليلا وقال .
ـ فى أى وقت تحدده .. سواء كنت معه أو لم تكن .. فلن أغضبك .
غير سعيد مجرى الحديث بمهارته المعهودة وقال .
ـ ألم يحين الوقت لتدعونى على العشاء أنا والأسرة ؟
ابتسم داود فى خجل وقال .
ـ سيكون قريباً .
ـ متى العام القادم ! .
ـ لا بل الشهر القادم .
عندما ينتفع شخص بطرق ملتوية وغير مألوفة ، يكون هناك ضرر لشخص ثانى أو أشخاص أخرى ، فكثيراً نسمع من يتكلم عن أنه قدم نفع لإنسان ، قد يكون أضر بآخرين ولا يتحدث عن ذلك ويجعله طى الكتمان ، ويسحب الستارة ذات الوجهين يبرز منها الوجه الأبيض ، ويبطن الوجه الأسود القاتم ، يدوس فوق ظهر الكثير ليرفع القليل ، ويغمض القليل عينيه عن ما أصاب به الكثير ، ولا يكلف نفسه إعطائهم الحق أو بعض من الحق ، بل لا ينظر إليهم ويتعامل معهم بحمق، ويمضى كأن ما اكتسبه حق مشروع له وحده ، وليس لهم نصيب فى هذا الذى أخفاه خلف الستار ، هو ومن أعانه لا يعلمون أنهم أخذوه بجهالة .
* * *
أعطى داود صاحب مكتب عيد بعض المنشئات وأخذ الرجل العمل بجد واهتمام ، لقد كان عماله وموظفيه ومهندسيه فى انتظار العمل بكل صبر وتعطش ، وجدوا فى العمل حتى أنهم فاقوا على داود فى السرعة والجودة مما أوغل عليه صدر داود .
ومن المقادير التى يقدرها الله فقد تقابل صاحب مكتب عيد بالمهندس نشأت عبد الرحيم فى موقع العمل ، وحدث تقارب بينهما على خلفية مسبقة ، وحيث أن داود ليس له صله بنشأت ، ولا يعلم أنه هو رجل سعيد ، الذى يدفع بأوراق داود لتكون الأولى فلم يهتم بذلك التقارب .
ظن المهندس نشأت أن صاحب مكتب عيد هو المسئول الأول عن العمل ، أعتذر الرجل للمهندس وأعلمه أنه يعمل لحساب مكتب خضر ، وتعجب نشأت من جودة عمله ، ثم فصاحته فى الحديث ومهارته فى أدارت العمل .
يوم أن تعرف نشأت على داود وتابع العمل الخاص به ، وجد أن هناك فارق بين عمل هذا وعمل ذاك ، مما جعل رأسه تدور ونفسه لم تهدأ ولم تسكن ، وراودته أفكار كثيرة عكرت عليه صفو وحدته فى كل ساعة من ليل ومن نهار وفضل الصمت .

كان سعيد بمكتب داود حينما فاجئه بدعوته على العشاء بشقته ، مما جعل سعيد يبتسم ابتسامة عريضة ظل أثرها على ملامح وجهه لمدة طويلة ، أحس داود أن سعيد غير مصدق ، أو أنه كان لم ينتظر منه هذه الدعوة ، فأكد عليه وحدد ليلة الزيارة وكرر عليه أن الدعوة له والأسرة .
كان الوقت أجازة صيف للمدارس والجامعات ، ليلة أن التقت الأسرتان بشقة داود ، لم تشعر أسرة سعيد بان هناك طعام يعد ، فالجميع بملابسهم والشقة لا يوجد بها أى رائحة لطعام أعد أو يعد .
وهمس سعيد لزوجته .
ـ يبدو أنهم نسوا أننا قادمون .. أو أن داود عشائه جبنه وزيتون .
ابتسمت فى صمت وحولت وجهها تجاه أبنائها وأبناء داود ، وراحت تتحدث مع السيدة اعتماد رزق شديد ، التى كانت تختلس النظرات ولا تتكلم إلا قليلاً .
بعد وقت ليس بقليل رفع داود سماعة التليفون ، وطلب مطعم قد أتفق معه أن يعد له عشاء فاخر توصيل للمنزل ورجاهم بالإسراع
ابتسم سعيد وقال لداود
ـ لقد كلفت نفسك كثيرا يا داود !

بعد تناول العشاء أخذ الأسرتان حديث طويل ، وجد ممتاز أن الفرصة قد حانت أن يتحدث إلى رشا سعيد ، وسائلها عن الكلية التى ستلتحق بها ، أسهب فى الحديث إليها وقد أختار أن يكون جلوسه بالقرب منها .
ووحيد تجنب الحديث إلى امتياز مع أنه تقابل معها خارج النطاق الأسرى ، وراح وليد بالهمز والمز لعلمه بالعلاقة التى بينهما ، ووحيد يحاول ألا ينظر تجاه أخيه كى لا يلفت النظر إليه .
اضطجع سعيد على جانب الكرسى الذى يجلس عليه وأقترب من داود ، وتحدث معه بشأن الترميمات الأثرية ، وأقسم له أنه سيأتيه بخبر سار عما قريب بشأن هذه العمليات ، وذهب يحدثه فيما وصل إليه ، وكيف أنه قام بدعوة المهندس عدت مرات ، وأنه دائم الاتصال به ولا يمر يوم دون أن يطمئن منه على ما يريد .
كان داود ينصت لذلك وأكد لسعيد أنه سيكون له حساب غير الماضى ، وسيزيد له قدر ما يريد حتى نفقاته على المهندس سيكفل بها .

لم يسمع أحد الحديث الذى دار بين داود وسعيد ، فقد تنحت الزوجتان جانبا وانشغل ممتاز برشا وامتياز لم تفارق عينيها وجه وحيد ، ووليد يراقب الجميع فى صمت ويبتسم بدون تعليق .
لم تتم سعادة داود فى هذه الزيارة من عدت جهات ، فقد قالت زوجة سعيد والأولاد أنهم سيذهبون إلى إحدى المدن الساحلية ، لقضاء عدت أيام تغير جو والاستمتاع بمياه البحر وهواى المصايف .
غضب سعيد أيضا حين سمع أولاده يقولون ذلك لأبناء داود ، لعلمه ببخل داود وأن هذا سيكون سبب خلاف بينه وبينهم ، ولكن أسرة داود تعودوا منه ذلك ولا يعيروا لهذا أى انتباه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فساد المجتمع - الجزء الثانى -
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منبر الابداع :: ساحة الابداع الادبية :: القصة القصيرة والرواية والمسرحية-
انتقل الى: