تابع المرحلة الثانية
من الدعوة جهارا
( 2 )
المجلس الاستشارى لكف الحجاج عن استماع الدعوة :
وخلال هذه الأيام أهم قريشا أمر آخر ، وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمضى عليه إلا أيام أو أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج ، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم ، فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب فى شأن محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون لدعوته أثر فى نفوس العرب ، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون فى تلك الكلمة ، فقال لهم الوليد : أجمعوا فيه رأيا واحداً ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا قالوا : فأنت فقل ، وأقم لنا رأيا نقول به ، قال : بل أنتم فقولوا اسمع ، قالوا : نقول : كاهن ، قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ، قالوا : فنقول مجنون ، قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته ، قالوا : فنقول : شاعر ، قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر ، قالوا : فنقول ساحر ، قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم، قالوا : فما نقول ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن نقول : ساحر ، جاء بقول هو سحر ، يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عنه بذلك 0
وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له ، قالوا : أرنا رأيك الذى لا غضاضة فيه ، فقال لهم : أمهلونى حتى أفكر فى ذلك ، فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى رأيه الذى ذكر أنفا 0
وفى الوليد أنزل ألله تعالى ست عشرة آية من سورة المدثر ( من 11 إلى 26 ) وفى خلالها كيفية تفكيره ، فقال تعالى } إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر {
وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا فى تنفيذه ، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره 0
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يتبع الناس فى منازلهم وفى عكاظ ومجنة وذى المجاز يدعوهم إلى الله ، وأبوا لهب وراءه يقول : لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب 0
وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر ذكره فى بلاد العرب كلها 0