بسم الله الرحمن الرحيم
الضوضاء وخطرها على الصحة النفسية
بقلم الدكتور هانى السبكى
تتجه البحوث فى العالم الحديث إلى قياس تأثير البيئة على صحة الإنسان وما قد تؤدى إليه العوامل البيئية من أمراض ومن أهم هذه البحوث ، تأثير الضوضاء على الصحة النفسية والتى ظهرت لها نتائج عظيمة الأهمية أثبتت مدى خطورتها التى لا تقل أهميتها عن تلوث البيئة .
والضوضاء هى تراكمات الأصوات المختلفة عندما تعلو الموجات الصوتية وتقصر المسافة بينها إلى أن يصير التأثير الصوتى على أعلى درجة عندئذ تصبح الضوضاء لها تأثير على أجهزة السمع خاصة الأجهزة العصبية الداخلية فى المراكز المخية ويبدأ الإنسان إحساسه بالضوضاء وهو ما زال فى رحم أمه وقد أثبت بعض الباحثين أن الجنين فى الشهور الأخيرة من الحمل يتحرك بفجائية عنيفة إذا تعرضت الأم لضوضاء عالية وبعد الولادة مباشرة تثير الضوضاء الرعب فى نفس الطفل ويبدو على وجهه الخوف وحركاته وسمات الخوف وربما أدى ارتفاع الصوت إلى خروج البراز والبول والقئ .
وقد أجريت بعض القياسات لمستوى الضوضاء فى مستشفى كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة طوال شهر شملت 24 مرفقا فى أماكن المرضى والعيادات الخارجية والأماكن الخاصة بالورش واستخدام الماكينات والآلات ذات الصوت المرتفع .. وتم قياس الضوضاء ثلاث مرات خلال كل ثلاث ساعات من اليوم .. وقد أجريت كل من هذه القياسات الثلاث فى يوم مختلف ، وقد ظهر من 816 قياس أخذت من 24 موقع من مواقع العناية المختلفة بالمستشفى أن مستوى الضوضاء كان دائما أعلى من المستوى الذى يسمح بالتحدث ( 37 ديسيبل ) وأيضا أعلى من المستوى الذى يسمح بالنوم ( 27 ديسيبل ) حتى فى أماكن العناية المركزة فقد وصل مستوى الضوضاء إلى ( 60 ديسبيل ) وهو أعلى من مستوى النوم والتحدث .
وقد وجد أن مستوى الضوضاء فى غرف الصيانة والمضمات يؤدى إلى انخفاض القدرة على السمع بمقدار ( 10 ديسبيل ) إذا تعرض العمل لهذه الضوضاء بصوره مستمرة حيث أن مستوى الضوضاء بهذه الأماكن يصل إلى ( 90 ديسيبل ) .
وقد حدد العالم كريتر فى الولايات المتحدة أن مستوى الضوضاء المسموح به فى المستشفيات ( 40 ديسبيل ) أما فى المانيا فقد سمحوا ( 30 ديسيبل فقط ) وهو المستوى المريح للمريض أى الذى لا يؤثر فى حالة المرضى بصورة ضارة .
- والتأثير الضار للضوضاء على الإنسان متعددة فهى تسبب ضعف قوة السمع وارتفاع ضغط الدم والصداع والتوتر العصبى وصعوبة التركيز وعسر الهضم مما يدل على أن أجهزة الجسم المختلفة تتأثر بالضوضاء وكلها مرتبطة ارتباطا وثيقا بحالة الإنسان النفسية .
ويزد تأثر الجهاز العصبى بالضوضاء كلما كانت حالته الجسمية ضعيفة خاصة إذا افتقد الفيتامينات بالذات ونجد أن فيتامين ب1 وفيتامين ب تجعل المتعرض للضوضاء فى حالة فزع شديد وقد يترتب على ذلك إصابته بالتشنجات المختلفة التى تشبه مرض الصرع .
ولننظر إلى الآية القرآنية التى تقول * وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية * .
ولننظر إلى تأثير هذه الضوضاء العالية العاتية وهى الصورة العالية للضوضاء وهى عندما استمرت صرعت القوم وأذهبت كل قواهم * فهل ترى لهم من باقية * وهذا هو قمة تلوث البيئة بالضوضاء ، تأتى على جميع مراكز أحاسيسهم بعد أن تزيد التأثير عليها وتتشنج عضلاتهم تماما كما يتشنج مرضى الصرع ويتخبطون من هذا المس المؤثر وقد تحدث الضوضاء مثل هذه التشنجات وبعض هؤلاء سريعى التأثير يسمعون ضوضاء من نوع معين قبل أن يصرع ويتشنج كدقات جرس أو صفير مستمر .
الضوضاء تزيد التوتر وتزيد القلق وتؤدى إلى الإكتئاب والتأثير المستمر على الأجهزة العصبية يجعلها فى عمل مستمر ولذا نجد صرعى الضوضاء سريعى التعب والإرهاق نتيجة استمرار التأثير والتوتر والأصوات العالية أثناء الحروب تؤدى كثيرا إلى انهيار مقاومة الجسد كإنفجارات القنابل والمفرقعات وهذا الخوف الشديد من الموت نتيجة لما عرف مسبقا هو السبب فى ازدياد تأثير هذه الأصوات المفاجئة على الجهاز النفسى للإنسان .
ونرى جند الإسلام عند الزحف يهللون ويكبرون وينزلون الرعب والفزع فى قلوب الأعداء مستخدمين الحرب النفسية .
حماية البيئة من الأصوات العالية
بعد أن ثبت ضرر الضوضاء على الأجهزة العصبية فهل الأفضل اللجوء دائما إلى انعدام الصوت وعدم التعرض له ؟
فقد تبين أنه إذا وضع إنسان ما فى حجرة مغلقة وحجب عنها الضوء والصوت تماما وكانت حرارتها هى نفس حرارة الجسم فإن انعدام المؤثرات على الأجهزة العصبية يصيب هذه المراكز بالاضطراب وتعانى من هلاوس وهذاءات مختلفة تتوقف عندما تعود ثانية للتنبيه فالمعيشة فى الضوضاء ، وكذا المعيشة مع تلاشى الأصوات ضارة كذلك حيث ينعدم المؤثر ونجد كثيرا من حالات التخلف العقلى الناتج من عدم رشد الجهاز العصبيى ونشاهد ذلك عند الأطفال الذين يربون فى الملاجئ ، أو أبناء المساجين أو اللقطاء فنجد أن هذا العزل عن الأصوات يوقف المؤثرات التى تنضج فى ظلها الأجهزة العصبية . ونرى كثيرا من حالات التخلف العقلى الناتجة عن انعدام المؤثرات على الأجهزة العصبية .
ويقول الحق عز وجل * ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا * .
هذا هو الهادى الذى يجب أن يتبع . الضوضاء ضارة وأنعدام الأصوات يضر كذلك ولكن التحدث بالصوت الهادى المطمئن رسالة تعارف وصحة ونضج . وعلينا أن نرى أولادنا وشبابنا على هذا المنهاج .
يقول الحق عز وجل .. مخاطبا المؤمنين * يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * .
ونجد أن التوجيه الإسلامى للصلاة منذ شروق الشمس حتى غروبها أن تكون القراءة الصامتة هى العبادة الكلامية . وأن تكون القراءة الجهرية أبان الليل هى السائدة وذلك حتى لا يساهم المؤمن أبان ارتفاع الأصوات
بالنهار فى زيادة حدة الأصوات وأما أبان الليل فلا مانع من القراءة الجهرية التى تساعد على الاستيعاب والتأمل وهذا هو سر عدم الجهر بالصوت أبان الصلاة النهارية وسر العلن أبان الصلاة الليلية .
ويقول الحق جل وعلا * واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدوة والآصال *
ويقول كذلك * أدعو ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المعتدين * فجعل الضوضاء اعتداء لا يرضاه الله فمتى نفقه حقيقة الهدى الإسلامى ومتى تكون التوجيهات القرآنية هى دستورنا .
ومتى تصبح هذه الحقائق من قراننا هديا لنا ولأولادنا وشبابنا .
هذا هو القانون الربانى لحماية البيئة والمجتمع من الضوضاء التى تؤثر على الآخرين .
نقل بمعرفة
طائر الليل