تفسير بعض من آيات القرآن الكريم
من مجلة اللواء الإسلامي
السنة السادسة العدد ( 266 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س ـ ما تفسير قوله تعالى ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير ) صدق الله العظيم ـ سورة الملك ـ
ج ـ ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ) الـــلام للقسم ، وقد : للتحقيق ، والمعنى لقد زينا السماء القريبة منكم أيها الناس بكواكب مضيئة ساطعة ، فصارت بهذه الآنية في أحسن خلق وأكمل صورة ، وأبهج شكل .. وسميت الكواكب مصابيح ، لأنها تضيء كإضاءة السراج وبعض الكواكب وإن كان في غير سماء الدنيا ، من السماوات التي فوقها ، فهي تتراءى كلها كأنها في سماء الدنيا ، لأن أجرام السماء شفافة ، لا تمنع من رؤية ما فوقها ، مما أضاء ، ( وجعلناها رجوما للشياطين ) أي وجعلنا لهم فائدة أخري : وهي رجم الشياطين الذين يسترقون السمع أي جعلناها على جنس المصابيح ، لا على عينها ، لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء ، بل بشهاب من دونها وقد تكون مستمدة منها ، قال قتادة : ( خلق الله النجوم لثلاث ، زينة للسماء ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدي بها ، في البر والبحر .....) ،..... ( واعتدنا لهم عذاب السعير ) ... أي أعتدنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب ، عذاب السعير أي عذاب النار ، والسعير : أشد الحريق وهو العذاب المستعر .
س ـ ما تفسير قوله تعالى ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ) صدق الله العظيم ـ سورة الكهف ـ
ج ـ هذه الآية الكريمة رقم ـ 109 ـ من سورة الكهف : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : عن الروح ، وعن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ؟ ، وأوحي الله تعالى إليه الإجابة ، عن هذه الأسئلة ، التي قصد بها إحراجه وفى ختام هذه السورة ، تعرض القرآن الكريم ، لبيان علمه تعالى المحيط بكل شيء ، والذي لا يتناهى عنه حد ، .. قل لهم يا محمد ، لو كان البحر مدادا للقلم ، الذي تكتب به كلمات الله وحكمه وآياته الدالة عليه لنفد البحر قبل أن يفرغ من كتابة ذلك ، ولو جئنا بمثله مددا ، أي بمثل البحر ، بحرا أخر .. ثم أخر .. إلى ما شاء الله بحوره تمده ، ويكتب بها .. لما نفدت كلمات الله ، كما قال تعالى ( ولو أن ما في الأرض أشجارا أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) لقمان ـ 27 ـ وهذا تمثيل لسعة علم الله ، والمعنى لو كانت بحار الدنيا حبرا ومدادا وكتب بها كلمات الله وحكمه وعجائبه لنفدت مياه البحور كلها ، على كثرتها وانتهت وكلام الله لا ينفد ، لأنه غير متناه كعلمه عز وجل ، وإنما ذكرت البحور السبعة على وجه المبالغة ، ولم يرد الحصر ، قال الحسن البصري : لو جعل شجر الأرض أقلاما وجعل البحر مدادا ، وقال الله إن من أمري كذا ومن أمري كذا ، لنفد ماء البحر وتكسرت الأقلام ، وقال الربيع بن أنس : إن مثل علم العباد كلهم ، في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها ، وقيل المراد بكلمات الله كلماته جل شأنه التكوينية ، التي يراد بها الإيجاد والخلق ، وإيجاد الله خلقه للأشياء ، لا حد لها أبدا ولا نهاية لها أصلا ، إذ هو الخالق دائم الإيجاد في الدنيا كما نرى وفي الآخرة ليستمر نعيم المؤمنين وعذاب الكافرين .
س ـ ما تفسير قوله تعالى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) صدق الله العظيم
ج ـ قال تعالى ( وأتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) سورة إبراهيم ...
وأتاكم من كل ما تحتاجون إليه حسب طاقتكم واستعدادكم وقوتكم في حياتكم ، ومما يصلح أحوالكم ومعاشكم ، من كل الذي هو أن تسألوه ، سواء سألتموه بلسان الحال ، أو بلسان العقل ، أو لم تسألوه ، لأنه خلق لكم ما في الأرض جميعا ، وسخر لكم قوى الطبيعة كلها حتى تكون تحت تصرفكم ، وإن تعدوا يا بنى أدم ما أنعم الله به عليكم من نعم ، لا تطيقوا حصرها وعدها ، فهي أكبر وأكثر من أن تحصيها عدد ، فضلا عن القيام بشكرها ، والواجب عليكم أن الجاحد الذي قابل النعم بالجحود لشديد الظلم لنفسه جحود لنعم ربه ، وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع .. كفار في النعمة يجمع ويمنع .
س ـ ما تفسير قوله تعالى ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي ) صدق الله العظيم
ج ـ يا أيتها النفس الطاهرة الذكية ، المطمئنة بوعد الله التي لا يلحقها اليوم خوف ولا فزع ، نزلت هذه الآية في حمزة بن عبد المطلب ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت وأبو بكر جالس فقال : يا رسول الله ما أحسن هذا ، فقال : ( أما أنه سيقال لك هذا ) أخرجه الحافظ بن عساكر .. وقيل أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه والصحيح أنها عامة بالنسبة لكل مؤمن طائع متق ، مخلص لله عز وجل ( ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) أي أرجعي إلى رضوان الله وجنته ، راضية بما أعطاك الله تعالى من النعم ، مرضية عنده بما قدمت من عمل ، قال مجاهد ، الراضية بقضاء الله التي علمت ، أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها ، وقال مقاتل : الآمنة من عذاب الله ، وقيل : المطمئنة بذكر الله تعالى لقوله تعالى ( الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الأنفال ـ 28 ـ
س ـ هل هناك تعارض بين قول الله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ) وبين قوله تعالى ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله )
س ـ ليس هناك تعارض بين هاتين الآيتين الكريمتين ، لان المراد بالإيمان في الآية الأولي ، الصلاة والعبادة ، روي الترمزى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس أي قبل تحويل القبلة إلى الكعبة فقال الناس ما حالهم في ذلك .. فأنزل الله تعالى .. ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ) البقرة ـ 142 ـ أي ما صح وما استقام أن يضيع الله صلاتكم إلي البيت المقدس ) بل يثيبكم عليها ، فمن استقبل بيت المقدس حين الأمر باستقباله ، فلن يضيع الله إيمانه وعبادته ، رأفة من الله ورحمة .. وذلك بخلاف الإيمان المشار إليه في قوله تعالى ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) المائدة ـ 5 ـ فإن المقصود منه من يرتد عن الدين ويكفر بالإيمان وأصوله ، وفروعه وأحكامه ، وحدوده وآدابه ، فقد بطل عمله وهو في الآخرة من الهالكين .
س ـ ما تفسير قوله تعالى ( مرج البحرين يلتقيان ) صدق الله العظيم
ج ـ ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) الرحمن : 19 ـ 20 ـ أرسل البحرين الملح والعذب يتجاوران ويلتقيان ويتماس سطوحهما ولا يمتزجان ، ولو شاء الله لاختلطا ، فضاعت فوائد الماء الملح وعذوبة الماء العذب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ / عبد المنصف محمود