طائر الليل عضو محترف
عدد المساهمات : 208 نقاط : 555 تاريخ التسجيل : 20/01/2010
| موضوع: هرم ين حيان الثلاثاء أكتوبر 12, 2010 4:15 am | |
| هرم بن حيان
قدوة لكل مسلم فى العبادة وخدمة الإسلام
أمضى شبابه الطاهر الزكى عابدا ورعا متنسكا ترتعد جوارحه من خشية الله ، وتنتفض مشاعره من هيبة الحق جلا وعلا ، فلم يعرف نزق الشباب طريقا إلى نفسه ، ولم تأخذ نزوات الهوى بمجامع قلبه ، ولم تتسلل مغريات المعاصى إلى وجدانه ، لأنه استعصم بالكتاب والسنة ، فكان يتزود منهما بما يرشده إلى الكلم الطيب والعمل الصالح ، وما يربط بين قلبه وتعاليم السماء ، وكان إذا وقف ليصلى يتخيل أن الجنة عن يمينه ، والنار عن يساره ، والصراط أمامه ، وملك الموت خلفه ، فيستغرق فى عبادة الله ، لا يشغله عنه شاغل ، وبعد أن يفرغ من الصلاة يحس كأن جسده اغتسل فى نهر نورانى ولم يبق فيه مكان يدخل الشيطان منه . وكان هرم بن حيان رغم صغر سنه بالنسبة لبنى عبد القيس ـ يحظى بتبجيل أهله وعشيرته حتى أنهم جعلوه أميراً عليهم ، لنصوع رأيه وسمو فكره ، وعلو همته ، وطهارة ظاهره وباطنه ، فهو يعرب دائما عن ذات نفسه ، ولا يخفى شيئا يجمجم فى صدره ، وكان يقول : عجبا للمنافق ! أنه يصارع نفسه ليبطن غير ما يظهر ، ويقول غير ما يعتقد ، وتتأجج مشاعره من وطأة كتمان الحقيقة . وقد عمل هرم بن حيان مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومع أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، وكلف بأداء بعض الأعمال العسكرية فأبدا كفاءة نادرة فى القيادة والقتال ، ومن بين إنجازاته فى ميادين الجهاد أنه استولى على مدينة ( بو شهر ) الفارسية فى السنة الثامنة عشرة للهجرة ، كما افتتح ( قلعة الشيوخ ) فى السنة السادسة والعشرين ، وهى إحدى قرى البحرين . أما فى حياته العامة فإنه كان يراقب الله فى كل ما يصدر منه من أقوال وأفعال ، ومن طريف ما يروى عنه أنه عين واليا على إحدى بلدان العراق سمع أن أقاربه سيحضرون إليه لإعطائهم بعض المال ، لأنهم فقراء ، فطلب إشعال نار عظيمة بالقرب من بيته ، ولما جاء أقاربه ورأوا النار وقفوا مذهولين مبهوتين ، وصاحوا بأعلى صوت : كيف نصل إليك ؟ فقال لهم : أنكم تريدون أن تقابلونى فى نار أشد منها هى نار جهنم ، فرجعوا وهم نادمين على ذهابهم إليه . وكان هرم بن حيان يحذر الناس من العلماء الذين لا يعملون بعلمهم ، لأنه كان يريد من العالم أن يكون قدوة ، سلوكه يطابق قوله ، وتصرفاته تترجم مواعظه ، وكثيراً ما كان يدعو الله قائلا : ( اللهم إنى أعوذ بك من شر زمان يتمرد فيه صغيرهم ويؤمل فيه كبيرهم ، وتقرب فيه أجالهم ويرون أعز إخوانهم على المعاصى فلا ينهونهم ) ، وسئل يوم عن علامة إقبال الله على المؤمن فقال : ( ما أقبل عبد بقلبه على الله عز وجل ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم ) . ومن كلماته الهادية الرشيدة : ( لم أر مثل النار نام هاربها ، ولم أر مثل الجنة نام طالبها ) . ولقد كان يتوخى البساطة فى مطعمه وملبسه فلم يكون يتناول إلا التمر ، ولم يلبس إلا الرخيص من الثياب ، ولم ينم على فيراش وثير قط ، وبالنسبة لعبادته فإنه كان يصوم يومى الاثنين والخميس كل أسبوع ، ويصحو فى وقت السحر وينخرط فى الصلاة ويسأل الله أن يدخله الجنة برحمته . ومر يوما بحداد يتطاير الشرر من مصنعه ، فكاد يغمى عليه وقال : إذا كانت نار البشر بهذه الرهبة ، فما بالنا بنار جهنم ، وقد عاش هرم بن حيان رطب اللسان بذكر الله شاحب الوجه ، معرضا عن الدنيا ، وأخذا منها ما يقيم أوده فقط ولم يتطلع يوما إلى ما ينعم به الأغنياء والمترفون من أطايب الحياة ، وكان يردد : خير الادام الجوع ، ولقمة واحدة حلال خير من أشهى الموائد التى تتلبس بها الشبهات . وشاء الله أن يجعل هذا الزاهد العابد الطاهر من الشهداء الأحياء عنده ، فقد مات هرم بعد سنة ست وعشرين للهجرة فى غزاة له فى يوم صائف شديد القيظ ، فلما انتهوا من دفنه أقبلت سحابة فهطل منها ماء على القبر ، ثم رحلت ، وهذا ما رواه ابن سعد فى الطبقات ، وأحمد بن حنبل فى كتاب الزهد . إن التاريخ ليقف مبهورا أمام سيرة حياة هذا البطل العظيم ، فقد كان قدوة فى العبادة والزهد والجهاد ، أحب الله منذ فجر شبابه ، فأسبغ الله عليه فيضا من رحمته ورضوانه . | |
|