النشاط العسكرى بين بدر وأحد
إن معركة بدر كانت أول لقاء مسلح بين المسلمين والمشركين ، وكانت معركة فاصلة أكتسب المسلمين نصراً حاسماً شهد له العرب قاطبةً ، والذين كانوا أشد استياء لنتائج هذه المعركة هم أولئك الذين منوا بخسائر ؛ وهم المشركون ، أو الذين كانوا يرون عزة المسلين وغلبتهم ضرباً قاسماً على كيانهم الدينى والاقتصادى ، وهم اليهود ، فمنذ أن أنتصر المسلمون فى معركة بدر كان هذان الفريقان يحترقان غيظا وحنقاً على المسلمين ؛ قال تعالى ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) سورة المائدة ، وكانت فى المدينة بطانة للفريقين دخلوا الإسلام حين لم يبق لهم مجال لعزهم إلا فى الإسلام ، وهم عبد الله بن أبى وأصحابه ، ولم تكن هذه الفرقة الثالثة أقل غيظا من الأوليين .
وكانت هناك فرقة رابعة ، وهم البدو الضاربون حول المدينة ، لم يكن يهمهم مسألة الكفر والإيمان ، ولكنهم كانوا أصحاب سلب ونهب ، فأخذهم القلق واضطربوا لهذا الانتصار ، وخافوا أن تقوم فى المدينة دولة قوية تحول بينهم وبين اكتساب قوتهم عن طريق السلب والنهب ، فجعلوا يحقدون على المسلين وصاروا لهم أعداء .
وتبين فى هذا أن الانتصار فى بدر كما كان سببا لشوكة المسلمين وعزهم وكرامتهم كذلك كان سببا لحقد جهات متعددة ، وكان من الطبيعى أن يتبع كل فريق ما يراه كفيلاً لإيصاله إلى غايته .
فبينما كانت المدينة وما حولها تظاهر بالإسلام ، وتأخذ فى طريق المؤامرات والدسائس الخفية كانت فرقة من اليهود تعلن بالعداوة ، وتكشف عن الحقد والغيظ ، وكانت مكة تهدد بالضرب القاسم ، وتعلن بأخذ الثأر والنقمة ، وتهتم بالتعبئة العامة جهاراً ، وترسل إلى المسلمين بلسان حالها تقول :
ولا بد من يوم أغر محجل يطول استماعى بعده للنوائب
وفعلا فقد قادت غزوة قاصمة إلى أسوار المدينة عرفت فى التاريخ بغزوة أحد ، والتى كان لها أثر سئ على سمعة المسلين وهيبتهم .
وقد لعب المسلمون دوراً هاماً على هذه الأخطار ، تظهر فيه عبقرية قيادة النبى صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه من غاية التيقظ حول هذه الأخطار ، وما كان عليه من حسن التخطيط للقضاء عليه .
غزوة بنى سليم بالكدر :
أول ما نقلت استخبارات المدينة إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد بدر أن بنى سليم وبنى غطفان تحشد قواتها لغزو المدينة ، فباغتهم النبى فى مائتى راكب فى عقر دارهم ، وبلغ إلى منازلهم فى موضع يقال له الكدر ، ففر بنى سليم ، وتركوا فى الوادى خمسمائة بعير استولى عليها جيش المدينة ، وقسمها رسول الله بعد إخراج الخمس فأصاب كل رجل بعيرين ، وأصاب غلاما يقال له : ( يسار ) فأعتقه .
وأقام النبى صلى الله عليه وسلم فى ديارهم ثلاثة أيام ، ثم رجع إلى المدينة .
وكانت هذه الغزوة فى شوال سنة 2 هـ بعد الرجوع من بدر بسبعة أيام ، أو فى المحرم للنصف منه ، وأستخلف فى هذه الغزوة على المدينة سباع بن عُرفُطة . وقيل : ابن أم مكتوم .