وثيقة دفاع عن عروبة القدس
بقلم د. أحمد يوسف القرعي*
في سياق اهتمامه الأساسي بقضية القدس عقد المجلس المصري للشئون الخارجية ندوة منذ اسبوعين بمشاركة نخبة متخصصة في شئون القانون الدولي العام والقضاء والتحكيم الدولي والعلوم السياسية والعمل الدبلوماسي والإعلامي.. الخ. وتداول المشاركون أبعاد قضية القدس المختلفة, وحظي الجانب القانوني والقضائي باهتمام خاص, حيث أكد الحضور أهمية صياغة وثيقة دفاع عن عروبة القدس, تحسبا لطرح القضية للتحكيم الدولي نظرا لخطورة غطرسة القوة التي تمارسها اسرائيل ومحاولة فرض مخطط التهويد الكامل كأمر واقع مع ترويج افتراءات وأكاذيب تاريخية للادعاء ـ كذبا ـ بيهودية المدينة منذ3000 عام, بينما تشهد وقائع التاريخ عروبة القدس منذ5000 عام وثمة شهادات أثرية ومنقوشة ومكتوبة( لا حصر لها) وتغطي كل عصور التاريخ القديم والوسيط والحديث وتؤكد عروبة القدس بما لايدع مجالا للشك أو التشكيك, وليس أدل علي هذا الاكتشاف الحديث لقطع النقود الكنعانية أخيرا كشهادة تاريخية غير مسبوقة, بينما فشلت اسرائيل حتي الآن في تقديم أي أثر قديم( حجرا أو رمزا أو حرفا).
{
من هذا المنطلق أكدت مناقشات المجلس المصري للشئون الخارجية أهمية إعداد وثيقة قانونية للدفاع عن القدس, سواء علي مستوي المفاوضات التي أجهضتها اسرائيل منذ منتصف التسعينيات, أو تحسبا لعرض القضية علي التحكيم في حالة فشل أية مفاوضات بشأنها لتأكيد الحق العربي التاريخي في القدس وبقاء السيادة الاقليمية علي القدس الشرقية للفلسطينيين.
ولعل مبادرة جيل الأجداد بإعداد وثيقة الدفاع عن عروبة حائط البراق عام1930, تعزز دعوة المجلس المصري للشئون الخارجية لصياغة وثيقة الدفاع عن القدس العربية التي تعرضت لأبشع جرائم الاستعمار والاستيطان اليهودي منذ احتلالها عام1967 وحتي الان.
لقد انبري عدد من فقهائنا وخبرائنا من الدول العربية والإسلامية في صياغة وثيقة الدفاع عن حائط البراق أمام اللجنة الدولية التي بعثت بها عصبة الأمم في يونيو/ يوليو1930 لبحث مسألة حقوق العرب في مكان البراق الشريف الذي يطلق عليه خطأ اسم الحائط الغربي أو حائط المبكي.
وحضر عن الجانب الفلسطيني أحد عشر محاميا من مسلمين ومسيحيين جاءوا من أطراف العالم المختلفة كالهند والمغرب والجزائر وليبيا ومصر وسوريا وشرق الأردن والعراق وإيران والجزر الهولندية( اندونيسيا حاليا) ومناطق اسلامية اخري في القارة الافريقية لم تكن قد استقلت بعد مثل( جنوب افريقيا), وكانت اللجنة الدولية مشكلة من فقهاء من دول سويسرا وهولندا والسويد, وأطلق عليها اسم لجنة البراق, واستمعت اللجنة الي الطرفين العربي واليهودي وأطلقت علي بياناتهم خلال ثلاث وعشرين جلسة استمعت خلالها لثلاثة وخمسين شاهدا بينهم اثنان وعشرون قدمهم الجانب اليهودي, وثلاثون من الجانب العربي وواحد من موظفي حكومة الانتداب البريطاني.
{
هكذا أظهر دفاع فقهائنا عن حقنا المشروع في مكان البراق الشريف يقظة قومية أدركت منذ وقت مبكر(1930) خطورة المشروع الصهيوني في القدس وما كان من اللجنة الدولية إلا الإقرار بملكية مكان البراق للعرب وحدهم, حيث أقروا بالحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف, كما أقرت اللجنة للعرب أيضا بملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الاسلامية لجهات البر والخير.
ومع هذا فقد سمحت اللجنة لليهود بممارسة ما اعتادوه من البكاء الي جانب الحائط من واقع سماحة الإسلام لأصحاب الديانات السماوية في ممارسة العبادة, ولكن دون اعتداء علي ملكية العرب والمسلمين.
{
إن تجربة جيل الأجداد( منذ عام1930) تستحق أن تكون دافعا لمبادرة عصرية تقع مسئوليتها علي المدرسة القانونية العربية وهي مدرسة لها مكانتها الدولية المعروفة, ومع ذلك فإن الجانب القانوني لقضية القدس لايحظي إلا بكتابات ودراسات قليلة نسبيا ومتناثرة, وتفتقر إلي التوثيق نظرا لاستيلاء اسرائيل منذ دخولها القدس عام1967 علي وثائق الأوقاف الاسلامية, وغيرها من الوثائق الأخري, هذا الي جانب تأخر المدرسة القانونية العربية في توظيف قرار مجلس الأمن رقم242 لعام1967, الذي ينطبق علي القدس الشرقية, هذا الي جانب منظومة مرجعية أخري من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وفتوي محكمة العدل الدولية والمحافل الدولية... الخ. ولعل مبادرة المجلس المصري للشئون الخارجية تكون نقطة انطلاق جديدة لمختلف مراكز البحوث والدراسات المتخصصة للعمل معا من أجل قضية القدس.
نقلا عن جريدة "الاهرام" المصرية*